فليجب، فإن كان مفطرًا فليَطْعَم، وإن كان صائما فليصلِّ" (١). قوله: "فليصلِّ": يعني فَلْيَدْعُ لأرباب الطعام بالبركة والخير، والصائم إذا أُكِل عنده الطعام صَلَّت عليه الملائكة، ومنه قوله: "مَن صلى عليّ صلاةً، صَلَّت عليه الملائكة عشرًا" (٢)، وكل داع فهو مصلٍّ، ومنه قول الأعشى [من البسيط]:
عَلَيْكِ مِثْلَ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي … إِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
معناه أنه يأمرها بأن تدعوَ له مثل دعائها، أي تعيد الدعاء له، ويُروَى: "عليك مثلُ الذي صليت"، فهو ردٌّ عليها، أي عليك مثلُ دعائك، أي ينالك من الخير مثلُ الذي أردت بي، ودعوت به لي.
وقال أبو العباس في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: ٤٣]، فـ {يُصَلِّي}: يرحم، وملائكته يدعون للمسلمين والمسلمات.
ومن الصلاة بمعنى الاستغفار حديثُ سودة - رضي الله عنهما - أنها قالت: يا رسول الله، إذا مِتْنَا صَلَّى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا، فقال لها: "إن الموت أشدُّ مما تُقَدِّربن".
قال شَمِر: قولها: "صَلَّى لنا": أي استغفر لنا عند ربه، وكان عثمان مات حين قالت سودة ذلك.
وأما قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٥٧] فمعنى الصلوات ههنا الثناء عليهم من الله تعالى، وقال الشاعر:
صَلَّى عَلَى يَحْيَى وَأَشْيَاعِهِ … رَبٌّ كَرِيمٌ وَشَفِيعٌ مُطَاعُ
معناه: ترحم الله عليه، على الدعاء لا على الخبر.
وقال ابن الأعرابيّ: الصلاة من الله رحمةٌ، ومن المخلوقين: الملائكة والإنس والجنّ: القيامُ والركوعُ والسجودُ والدعاءُ والتسبيحُ، والصلاة من الطير والهوامّ: التسبيحُ.
وقال الزجاج: الأصل في الصلاة اللزوم، يقال: قد صَلَّى، واصطلى: إذا لَزِمَ، ومن هذا: مَن يُصْلَى في النار: أي يلزم النار.
(١) تقدم في ص ٦ أنه حديث صحيح.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أبو داود، (١/ ١٤٤)، و"النسائيّ" (٢/ ٢٥ و ٣/ ٥٠).