تلك الشاة لمولاة ميمونة - رضي الله عنها - فقد أخرج النسائيّ في "سننه" بسند صحيح، من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، قال: مَرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة ميتة، كان هو أعطاها مولاة لميمونة، زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"هلّا انتفعتم بجلدها؟ " فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما حرم أكلها"(١).
وقد روي نحو هذا في شاة لسودة - رضي الله عنها - ففي "صحيح البخاريّ" عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عن سودة زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالت: ماتت لنا شاةٌ، فدبغنا مَسْكَها، ثم ما زِلْنا نَنْبِذ فيه، حتى صار شَنًّا.
وفي "مسند أحمد" عن ابن عباس، قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة، فقالت: يا رسول الله ماتت فلانة - يعني الشاة - فقال:"فلولا أخذتم مَسْكها"، فقالت: نأخذ مَسْك شاة قد ماتت؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما قال الله عز وجل: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} الآية [الأنعام: ١٤٥] فإنكم لا تَطْعمونه، أن تدبغوه، فتنتفعوا به، قالت: فأَرسلتُ إليها، فسُلِخت مَسْكها، فدبغته، فأخذتُ منه قِرْبةً حتى تخرّقت عندها"(٢).
(بِشَاةٍ) متعلّق بـ"تُصُدِّق"، وفي رواية البخاريّ:"مرّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعنز ميتة"، قال في "الفتح": "الْعَنْز" بفتح المهملة، وسكون النون، بعدها زاي: هي الماعزة، وهي الأنثى من المعز، ولا ينافي رواية:"ماتت شاة"؛ لأنه يُطْلَق عليها شاة كالضأن. انتهى (٣).
قال الجامع عفا الله عنه: من الغريب أن صاحب "فتح المنعم" تعقّب كلام الحافظ هذا، فقال: وعندي أن العنز غير الشاة، وحمل الروايتين على
(١) راجع: "المجتبى" ٧/ ١٧٢. (٢) رواه "أحمد" في "مسنده" (١/ ٣٢٧ و ٦/ ٤٢٩)، وابن حبّان في "صحيحه" (٤/ ٩٧)، وفي إسناده سماك، عن عكرمة، وهو مضطرب، لكن يشهد له ما تقدّم من "صحيح البخاري"، فهو صحيح. (٣) "الفتح" ٩/ ٥٧٧.