وأسند التعذيب إلى القبرين مجازًا، من إطلاق المحلّ على الحالّ؛ لأن المعذّب في الحقيقة مَن فيهما، كما قدّرته آنفًا.
وقال ابن الملقّن رحمه الله: هو من الضمير الذي يُفسّره سياق الكلام؛ إذ ليس في اللفظ ما يعود إليه، فهو من باب قوله تعالى {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}[ص: ٣٢]، وقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: ١]، وأشباه ذلك، وورد مصرّحًا به عند ابن أبي شيبة، لكن من حديث يعلى بن سيابة:"مرّ عليه السلام بقبر يُعذّب صاحبه في غير كبيرة".
قال:"وإنّ" يجوز أن تكون مبتدأ (١)، ويجوز أن تكون جوابًا لقسم محذوف: أي والله إنهما ليُعذّبان. انتهى (٢).
(وَمَا)(يُعَذَّبَانِ فِي كَبيرٍ) زاد في رواية البخاريّ من طريق منصور، عن مجاهد:"ثم قال: بلى"، أَي إنه لكبير، وصَرّح بذلك في "كتاب الأدب" من طريق عبد بن حُميد، عن منصور:"فقال: وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير"، قال في "الفتح": وهذا من زيادات رواية منصور على الأعمش، ولم يخرجها مسلم.
[تنبيه]: قد تبيّن بهذه الزيادة أن فعل هذين المقبورين من الكبائر، فلا بدّ من تأويل قوله:"وما يعذبان في كبير"، وقد ذكر العلماء فيه تأويلات كثيرة:
فقال أبو عبد الملك الْبُونيّ: يَحْتَمِل أنه - صلى الله عليه وسلم - ظَنّ أن ذلك غير كبير، فأُوحِي إليه في الحال بأنه كبير، فاستَدرَك.
وتُعُقّب بأنه يستلزم أن يكون نسخًا، والنسخ لا يدخل الخبر.
وأُجيب بأن الحكم بالخبر يجوز نسخه، فقوله:"وما يعذبان في كبير" إخبار بالحكم، فإذا أُوحي إليه أنه كبير، فأخبر به كان نسخًا لذلك الحكم.
وقيل: يَحْتَمِل أن الضمير في قوله: "وإنه" يعود على العذاب؛ لما ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "يعذبان عذابًا شديدًا في ذنب هَيِّن".