وفي "سنن أبي داود" عن امرأة من غِفَار أن رسول الله لَمّا رأى ثيابها من الدم، قال:"أصلحي من نفسك، ثم خُذي إناءً من ماء، واطرحي فيه مِلْحًا، ثم اغسلي ما أصاب حقيبة الرّحل من الدم، ثم عُودي لمركبك"(١).
وعند الدارميّ بسند فيه ضعف، عن أم سلمة - رضي الله عنها -: إن إحداهن تسبقها القطرة من الدم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أصاب إحداكنّ بذلك، فلتقْصَعْه بريقها".
وعند ابن خزيمة: وقيل لها: كيف كُنْتُنّ تَصنعْنَ بثيابكنّ، إذا طَمِثتُنّ على عهد النبيّ - صلي الله عليه وسلم -؟ قالت:"إن كنا لنَطْمِث في ثيابنا، أو في دُرُوعنا، فما نغسل منه إلا أثر ما أصابه الدم"(٢).
(إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) متعلّق بـ"جاءت"(فَقَالَتْ: إِحْدَانَا) مبتدأ خبره قوله: (يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء: المرّة من الحيض، و"من" اسم بمعنى "بعض" فاعل "يُصيب"، والتقدير: يصيب بعض الحيضة ثوبها، وفي رواية البخاريّ:"أرأيت إحدانا تَحِيض في الثوب": أي يَصِلُ دم الحيض إلى الثوب، هكذا فسّره الكرمانيّ، وقال العينيّ: المعنى: تحيض حال كونها في الثوب، ومن ضرورة ذلك وصول الدم إلى الثوب (كَيْفَ) اسم استفهام مفعول مقدّم و (تَصْنَعُ بِهِ؟)، أي: أيَّ شي تصنع بذلك الثوب المصاب بالحيضة؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("تَحُتُّهُ) - بفتح أوله، وضمّ الحاء المهملة، وتشديد المثناة الفوقانية -: أي تحكّه، وتفرُكه، وتقشره، وتَنْحَته، وقيل: الْحَتّ دون النّحت، وقال في "الفتح": قوله: "تحتّه": أي تحُكّه، وكذا رواه ابن خزيمة، والمراد بذلك إزالة عينه. انتهى (٣).
وقال العينيّ - رحمه الله -: قوله: "تَحُتّه" مِن حَتّ الشيءَ عن الثوب وغيره يَحُتُّه حَتًّا: فَرَكَه، وقَشَرَه، فانحتّ وتَحَاتّ، وفي "المنتهى": الحتّ: حَتُّك الورقَ من الشجر، والمنيَّ، والدمَ، ونحوهما من الثوب وغيره، وهو دون النَّحْت، وعند ابن طريف: حَتَّ الشيءَ: نَفَضه، وقيل: معناه تَحُكّه، وكذا وقع في رواية ابن خزيمة. انتهى (٤).