التحمّل، فيحيى، ومحمد بن رُمح سمعاه بقراءة غيرهما على شيخهما الليث ابن سعد، فلذا قالا: أخبرنا الليث، وأما قُتيبة، فسمعه من لفظه مع جماعة، فلذا قال: حدّثنا الليث، فتفطّن لهذه الدقائق الإسناديّة، وبالله تعالى التوفيق.
٢ - (ومنها): أن رجاله رجال الجماعة، سوى شيخيه يحيى، فما أخرج له أبو داود، وابن ماجه، وابن رمح، فتفرّد به هو وابن ماجه.
٣ - (ومنها): أن هذا مما ثبت سماع أبي الزبير له من جابر - رضي الله عنه -؛ لأنه من رواية الليث عنه، وقد تقدّم أن الليث لا يروي عنه إلا ما سمعه من جابر - رضي الله عنه -، فلا يضرّه كونه مدلّسًا رواه بالعنعنة، فتنبّه.
٤ - (ومنها): أن جابرًا - رضي الله عنه - أحد المكثرين السبعة، روى (١٥٤٠) حديثًا، وقد تقدّم غير مرّة، وإنما أعدته تذكيرًا؛ لطول العهد به، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ جَابِر) بن عبد الله الأنصاريّ - رضي الله عنهما - (عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ نَهَى) أي زجر، يقال: نهيته عن الشيء أَنهاه نَهْيًا، فانتهى عنه، ونَهَوْته نَهْوًا بالواو لغة، ونهى الله تعالى أي حرّم، قاله الفيّوميّ (١).
وفي "اللسان": النهي: خلاف الأمر، نهاه ينهاه نَهْيًا، فانتهى، وتناهى: كَفّ، أنشد سيبويه لزياد بن زيد الْعُذريّ [من الطويل]:
إِذَا مَا انْتَهَى عِلْمِي تَنَاهَيْتُ عِنْدَهُ … أَطَالَ فَأَمْلَى أَوْ تَنَاهَى فَأَقْصرَا
قال: نَهَوْته عن الأمر، بمعنى نهيته، قال: ويقال: إنه لأَمُورٌ بالمعروف، ونَهُوٌّ عن المنكر، على فَعُول. انتهى باختصار (٢).
(أَنْ) بالفتح مصدريّة (يُبَالَ) بالبناء للمفعول، وهو في تأويل المصدر مجرور بحرف جرّ محذوف قياسًا، كما قال في "الخلاصة":
وَعَدِّ لَازِمًا بِحَرْفِ جَرِّ … وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لِلْمُنْجَرِّ
نَقْلًا وَفِي "أَنَّ" وَ"أَنْ" يَطَّرِدُ … مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كـ"عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا"
أي عن البول (فِي الْمَاءِ) أصله مَوَهٌ بدليل تصغيره على مُوَيه، وتكسيره
(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٢٩.
(٢) "لسان العرب" ١٥/ ٣٤٣ - ٣٤٤.