والشرطين المذكورين، أولى وأثبت معنًى في الآية، مما يَصْلُح لبعض الكلام دون بعض. انتهى (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.
(فَرَفَعَ) - صلى الله عليه وسلم - (يَدَيْه، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ أمّتِي أمّتِي") أي ارحم أمتي، وكرّره للتأكيد (وَبَكَى) - صلى الله عليه وسلم - شفقةً عليهم (فَقَالَ اللهُ عز وجل: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ) - صلى الله عليه وسلم -، وقوله:(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ) جملة معترضة بين المعطوف، وهو "اذهب"، والمعطوف عليه، وهو قوله:(فَسَلْهُ) وفي نسخة: "فاسأله": (مَا يُبْكِيكَ؟)"ما" استفهاميّة، أيْ: أيُّ شيء يجعلك باكيًا؟ (فَأَتَاهُ) - صلى الله عليه وسلم - (جِبْرِيلُ عليه السلام، فَسَأَلهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قَالَ) أي بالشيء الذي قاله، وهو قوله:"أمتي أمتي") وَهُوَ أَعْلَمُ) قيل: في الكلام حذف، وأصله: فأخبره بما قال، فأخبر جبريل ربّه، وهو أعلم به (فَقَالَ اللهُ) سبحانه وتعالى (يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ) - صلى الله عليه وسلم -) فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ) بضم حرف المضارعة، من الإرضاء (فِي أمّتِكَ) أي بإدخالهم الجنّة، وهذا موافق لقول الله عز وجل: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)} [الضحى: ٥].
(وَلَا نَسُوءُكَ") أي لا نفعل ما تكرهه، قال المجد رحمه الله: ساءه سَوْءًا، وسَوَاءًا، وسَوَاءَةً، وسَوَايَةً، وسَوائيَةً، ومَسَاءَةً، ومَسَائِيَةً مقلوبًا، وأصله مَسَاوِئَةً، ومَسَايَةً، ومَسَاءً، ومَسَائِيَّةً: فَعَلَ به أو بمن يَعِزّ عليه ما يكرهه، فاستاء هو. انتهى بزيادة يسيرة (٢).
قال صاحب "التحرير": "لا نسوءك " تأكيد لمعنى "سنرضيك"، أي لا نَحْزُنُك؛ لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم، ويَدْخُل الباقي النار، فقال تعالى: "نُرضيك، ولا نُدخل عليك حُزْنًا، بل نُنْجِي الجميع"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.