(فَنَسِينَا كَثِيرًا)؛ أي: نسينا كثيرًا مما ذَكّرنا به، أو نسيانًا كثيرًا، كأنا ما سمعنا منه شيئًا قطّ، وهذا أنسب بقوله:"رأي عين". (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) -رضي اللَّه عنه-: إذا قلت ذلك، وذكرت بيانه، (فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا)؛ أي: من التفاوت في الحال؛ لِمَا تقرر من تأثير صحبة أهل الكمال. قال حنظلة:(فَانْطَلَقْتُ)؛ أي: ذهبت، وقوله:(أَنَا) أتى به لِيُمْكنه عطف قوله: (وَأَبُو بَكْرٍ) كما قال في "الخلاصة":
(حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قُلْتُ: نَافَقَ)؛ أي: صار منافقًا (حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) فيه تجريد، كما تقدّم؛ إذ الأصل أن يقول: نافقت.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "نافق حنظلة" معناه: أنه خاف أنه منافق حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويَظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر والإقبال على الآخرة، فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا، وأصلُ النفاق: إظهار ما يُكتم خلافه من الشرّ، فخاف أن يكون ذلك نفاقًا، فأعلمهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ليس بنفاق، وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك، ساعةً وساعةً؛ أي: ساعة كذا، وساعة كذا. انتهى (١).
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَمَا ذَاكَ؟ ")؛ أي: وما سبب ذلك القول؟ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا)؛ أي: خالطنا (الأَزْوَاجَ، وَالأَوْلَادَ، وَالضَّيْعَاتِ)، وقوله:(نَسِينَا) بدل اشتمال من "عافسنا"، أو هو جواب "إذا" وجملة "عافسنا" حال، بتقدير "قد"، قاله القاري، ووقع في بعض النسخ:"فنسينا" بالفاء، وللترمذيّ:"ونسينا" بالواو. (كَثِيرًا) قال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: نسينا كثيرًا مما ذَكّرتنا به، أو نسيانًا كثيرًا، كأنا ما سمعنا منك شيئًا قط، وهذا أنسب بقوله:"رأي عين"(٢).
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ)؛ أي: في حال