ولكنه خاطبنا على ما جَرَت به عادتنا، ومعنى الآية: أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام - مع عِظَم خلقه، وكثرة أجزائه، دنا من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذا الدُّنُوّ، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وقد تقدّم البحث بأوسع من هذا، فارجع إليه، والله تعالى أعلم.
وقوله:({فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)}) المراد من العبد محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: جبريل، وفي تقدير المعنى أَراء للمفسّرين، أشهرها وأكثرها: فأوحى جبريل؛ إلى عبد الله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإن لَمْ يجر له ذكرٌ؛ لأنه لا يلتبس، كقوله تعالى:{مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ [فاطر: ٤٥]. {مَا أَوْحَى} أي ما أوحى الله تعالى إليه، وأبهمه؛ تفخيمًا لشأن الموحى به.
وقيل: المعنى: فأوحى الله تعالى إلى عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - ما أوحى، وقيل: فأوحى الله إلى عبده جبريل؛ ما أوحى، فبلّغ جبريل محمدً - صلى الله عليه وسلم - ما أوحى إليه، وكلّ هذه الأقوال صالحة على أن الذي دنا فتدلّى جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام -، أما على قول من يرى أنه رب العزّة، فلا يناسبه إلَّا القول الثاني، ولكن سبق أن هذا القول ضعيف جدًّا؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فسّر الآية لعائشة بأن المراد بها أنه رأى جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام -، {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر: ١٤]، فماذا بعد تفسير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقوله:(فِي صُورَةِ الرِّجَالِ) تقدّم منهم دِحية بن خليفة الكلبيّ.
وقوله:(فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ)"الأُفُق" بضمّتين: الناحية من الأرض، ومن السماء، والجمع آفاق، والنسبة إليه أُفُقيّ، ردًّا إلى الواحد، وربّما قيل: أَفَقيّ بفتحتين؛ تخفيفًا على غير قياس، حكاهما ابن السّكّيت، وغيره (٢)، وقد تقدَّم تمام شرح الحديث، وبيان مسائله قريبًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.