فقال:"لا بأس، ولينصرنّ الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا" الحديث، ويمكن تأويل هذه الرواية بأن قوله "من المهاجرين" بيان لأحد الغلامين، والتقدير: اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فحذف لفظ غلام من الأول، ويؤيده قوله في بقية الخبر: فقال المهاجري، فأفرده فتتوافق الروايات.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ساق في "الفتح" رواية مسلم بقوله: "اقتتل غلامان من المهاجرين وغلام من الأنصار"، وهذا اللفظ لم أره في النُّسخ التي بين يديّ، فكلها متّفقة على لفظ:"اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار"، وهذا واضح لا يحتاج إلى تقدير، ولا إلى تأويل، ولعل الحافظ وقع في نسخته ما ذكره، فليُتأمّل، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ) بفتح اللام، وهي للاستغاثة؛ أي: أغيثوني، وكذا في قول الآخر: يا للمهاجرين، (وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ ")؛ أي: ما شأنها؟ وهو في الحقيقة إنكار، ومَنْعٌ عن قول: يا لفلان، ونحوه (١). (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ:"دَعُوهَا)؛ أي: اتركوا هذه المقالة، وهي دعوى الجاهليّة، (فَإِنَّهَا)؛ أي: دعوة الجاهلية، وأبعدَ من قال: المراد: الكسعة. (مُنْتِنَةٌ") بضم الميم، وسكون النون، وكسر المثناة، من النتن؛ أي: إنها كلمة قبيحة، خبيثة، وكذا ثبتت في بعض الروايات.
(فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ) المنافق (فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا) استفهام بتقدير الأداة؛ أي: أَفعلوها؟؛ أي: الأثرة، أشركناهم فيما نحن فيه، فأرادوا الاستبداد به علينا، وفي مرسل قتادة:"فقال رجل منهم عظيم النفاق: ما مثَلنا ومثَلهم إلا كما قال القائل: سَمِّنْ كلبك يأكلك"، وعند ابن إسحاق:"فقال عبد الله بن أُبَيّ: أقد فعلوها؟ نافرونا، وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثَلنا وجلابيب قريش هذه، إلا كما قال القائل: سَمِّن كلبك يأكلك"(٢).
(وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ) قال
(١) "عمدة القاري" ١٩/ ٢٤١. (٢) "الفتح" ١٠/ ٧٠٨، كتاب "التفسير" رقم (٤٩٠٥).