أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} الآية [الأنعام: ٤٠] قال الزمخشريّ: المعنى: أخبروني، ومتعلق الاستخبار محذوف، تقديره: من تدعون؟ ثم بكّتهم، فقال:{أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ}. انتهى.
قال: وإنما أوردت هذا؛ لأن بعض الناس نقل كلام الزمخشريّ في الآية إلى هذا الحديث، وفيه نظر؛ لأنه جعل التقدير: أخبروني ليلتكم هذه، فاحفظوها، وليس ذلك مطابقًا لسياق الآية. انتهى كلام الحافظ في "الفتح"(١).
(فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ) اسم "إنّ" ضمير الشأن مقدّرًا، وخبرها جملة قوله:"لا يبقى … إلخ"، وقوله:(مِنْهَا)؛ أي: من تلك الليلة، وقد استَدَلّ بعض اللغويين بقوله:"منها" أن "مِنْ" تكون لابتداء الغاية في الزمان، كمنذ، وهو قول الكوفيين، وقال البصريون: لا تدخل "من" إلا على المكان، و"منذ" في الزمان نظيرة "من" في المكان، وتأولوا ما جاء بخلافه، واحتج من نصر قول الكوفيين بقوله تعالى:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}[التوبة: ١٠٨]، وبقول عائشة -رضي الله عنها -: "ولم يجلس عندي من يومِ قيل فِيّ ما قيل"، وقول أنس -رضي الله عنه -: "وما زلت أحب الدباء من يومئذ"، وقول بعض الصحابة -رضي الله عنهم -: "مُطرنا من الجمعة إلى الجمعة".
وأجاب أبو علي الفارسيّ عن قوله:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} بأن التقدير: من تأسيس أول يوم، وضعّفه بعضهم بأن التأسيس ليس بمكان، وقال الزمخشريّ: التقدير: من أول يوم من أيام وجوده، وهذا جنوح إلى مذهب الكوفيين، ذَكَره في "العمدة"(٢).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى رجحان مذهب الكوفيين في هذه المسألة؛ لوضوح أدلّته، فتأمله بالإمعان، وبالله تعالى التوفيق.
ومعنى قوله:"فإن على رأس": أي: عند انتهاء مائة سنة، والله تعالى أعلم.
(لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ)؛ أي: الآن موجودًا، (أَحَدٌ") إذ ذاك، قال ابن بطال: إنما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هذه المدة تخترم الجيل الذي
(١) "الفتح"١/ ٣٦٩، كتاب "العلم" رقم (٣٦٩ - ٣٧٠). (٢) "عمدة القاري" ٢/ ١٧٦ - ١٧٧.