للاستفتاح، بمعنى "إلا"(١). (وَاللهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ)؛ أي: فما لكم بخروجكم من وطنكم شيء تَشْكُون منه بخلافنا، كما قالت:(وَكُنَّا) معاشر المهاجرين إلى الحبشة (فِي دَارِ، أَوْ) شكّ من الراوي؛ أي: أو قالت: (فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ) جَمْع بعيد، (الْبُغَضَاءِ) جمع بغيض؛ كظريف وظرفاء، وشريف وشرفاء؛ أي: في أرض الكفّار؛ إذ أهل الحبشة كانوا نصاري، وإنما أسلم ملِكهم النجاشيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال العلماء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين؛ لأنهم كفار إلا النجاشيّ، وكان يستخفي بإسلامه عن قومه، ويوَرّي لهم. انتهى (٢).
وقال في "الفتح": قوله: "البعداء البغضاء" كذا للأكثر، جمع بغيض، وبعيد، وفي رواية أبي يعلى بالشك:"البعداء، أو البغضاء"، وللنسفيّ:"الْبُعُد" بضمتين، وللقابسيّ:"الْبُعُد البعداء البغضاء" جَمَع بينهما، فلعله فسَّر الأُولى بالثانية، وعند ابن سعيد من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبيّ:"فقالت: أي لَعَمري، لقد صدقتَ، كنتم مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطعم جائعكم، ويُعَلِّم جاهلكم، وكنا البعداء، والطرداء"(٣).
وقولها:(فِي الْحَبَشَةِ) بدل من الجارّ والمجرور قبله، (وَذَلِكَ)؛ أي: غربتنا إلى تلك الدار (فِي اللهِ)؛ أي: في طلب مرضاته، (وَفي رَسُولهِ)؛ أي: في المحافظة على دينه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لعدم تمكّننا منه في بلدنا مكة، (وَايْمُ اللهِ) مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: يمين الله قَسَمي، ويجوز العكس.
وقال في "العمدة": قوله: "وايم الله" همزته همزة وصل، وقيل: همزة قطع، بفتح الهمزة، وقيل: بكسرها، يقال: أيم الله، وأيمن الله، ومُنُ الله، وقيل: أيمن جَمْع يمين، ولمّا كَثُر في كلامهم حذفوا النون، كما قالوا في لَمْ يكن: لَمْ يك. انتهى (٤).