الصامت عنه، وفيها مغايرة كثيرة لسياق ابن عباس، ولكن الجمع بينهما ممكن، ثم ساق قطعة من أوله إلى قوله:"لقد سمعت كلام الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم عليها، والله إنه لصادق".
ثم قال: وهذا الفصل في الظاهر مغاير لقوله في حديث ابن الصامت: "إن أبا ذر قال لأخيه: ما شفيتني"، ويُمكن الجمع بأنه كان أراد منه أن يأتيه بتفاصيل من كلامه، وأخباره، فلم يأته إلا بمجمل (١).
(الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاء، فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ)"من" للتبعيض؛ أي: اسمع بعض قوله؛ يعني: أنه يكفيه أن يسمع بعضه؛ لأنه يتبيّن به الصادق من الكاذب. (ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الآخَرُ)؛ أي: أنيس، وفي رواية للبخاريّ:"فانطلق الأخ"، وفي رواية الكشميهني:"فانطلق الآخر"، قال عياض: وقع عند بعضهم: "فانطلق الأخ الآخر"، والصواب الاقتصار على أحدهما؛ لأنه لا يُعرف لأبي ذرّ إلا أخ واحد، وهو أنيس. انتهى.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "فانطلق الآخر" هكذا هو في أكثر النُّسخ، وفي بعضها:"الأخ"، بدل "الآخر"، وهو هو، فكلاهما صحيح. انتهى (٢).
(حَتَّى قَدِمَ) بكسر الدال، (مَكَّةَ، وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ)؛ أي: من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، (ثُمَّ رَجَعَ) أُنيس (إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: رَأْيْتُهُ)؛ يعني: النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، (يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ)؛ أي: بالأخلاق الحسان، وقوله:(وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ) كذا في هذه الرواية، بنصب "كلامًا"، وهو منصوب بالعطف على الضمير المنصوب، وفيه إشكال؛ لأن الكلام لا يُرَى، ويجاب عنه بأنه من قبيل قوله: