رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدّث"، وذلك في رواية القاسم بن عبد الواحد، ولفظه: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع"، ثم أنشأ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدّث، فانتفى الاحتمال.
ويُقَوِّي رَفْع جميعه أن التشبيه المتَّفق على رفعه يقتضي أن يكون النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمع القصّة، وعرفها، فأقرّها، فيكون كله مرفوعًا من هذه الحيثية، ويكون المراد بقول الدارقطنيّ والخطيب وغيرهما من النقاد: إن المرفوع منه ما ثبت في "الصحيحين"، والباقي موقوف من قول عائشة، هو أن الذي تلفّظ به النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمّا سمع القصّة من عائشة هو التشبيه فقط، ولم يريدوا أنه ليس بمرفوع حكمًا، ويكون مَن عَكَس ذلك، فنسب قَصَّ القصّة من ابتدائها إلى انتهائها إلى النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واهمًا كما سيأتي بيانه. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، خلاصته: أن الحديث مرفوع كلّه من حيث المعنى؛ لأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمع عائشة تُحدّث به، فأقرّها عليه، وأما من حيث اللفظ فالمرفوع قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع"، والله تعالى أعلم.
(عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ) -رضي الله عنها-؛ (أَنَّهَا قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها: "جلسن" بزيادة نون، وهي لغة قليلة، سبق بيانها في مواضع، منها: حديث: "يتعاقبون فيكم ملائكة"، وإحدى عشرة، وتسع عشرة، وما بينهما يجوز فيه إسكان الشين، وكسرها، وفتحها، والإسكان أفصح، وأشهر. انتهى (٢).
وقال في "الفتح": قال ابن التين -رَحِمَهُ اللهُ-: التقدير: جلس جماعة إحدى عشرة، وهو مثل:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ}[يوسف: ٣٠]، وفي رواية أبي عوانة: "جلست"، وفي رواية أبي عليّ الطبريّ في مسلم: "جلسن" بالنون، وفي رواية للنسائيّ: "اجتَمَع"، وفي رواية أبي عُبيد: "اجتمعت"، وفي رواية أبي يعلى: "اجتمعن"، قال القرطبيّ: زيادة النون على لغة أكلوني البراغيث، وقد أثبتها جماعة من أئمة العربية، واستشهدوا لها بقوله تعالى:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} الآية [الأنبياء: ٣]، وقوله تعالى:{فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} الآية [المائدة: ٧١]، وحديث: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ"، وقول الشاعر [من الطويل]: