(قَالَ) حذيفة (فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ)، وفي رواية:"فاستشرف لها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ أي: تطلّعوا للولاية، ورَغِبوا فيها حرصًا على تحصيل الصفة المذكورة، وهي الأمانة، لا على الولاية من حيث هي، والله أعلم.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: أي: تشوّفوا، وتعرّضوا لمن هو الموجّه معهم، وكلهم يحرص على أن يكون هو المعنيّ؛ إذ كل واحد منهم أمين. انتهى (٢).
(قَالَ) حذيفة (فَبَعَثَ) - صلى الله عليه وسلم - (أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ)، وفي رواية أبي يعلى:"قم يا أبا عبيدة، فأرْسَله معهم"، ووقع في رواية لأبَي يعلى من طريق سالم، عن أبيه، سمعت عمر يقول: ما أحببت الإمارة قط إلا مرّة واحدةً -فذكر القصة، وقال في الحديث -: فتعرضتُ أن تصيبني، فقال:"قم يا أبا عبيدة"(٣).
[تنبيه]: وقد أخرج البخاريّ في "المغازي" من "صحيحه" هذا الحديث مطوّلًا، فقال:
(٤٣٨٠) - حدثني عباس بن الحسين، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صِلَة بن زُفَر، عن حذيفة قال: جاء العاقب، والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدان أن يُلاعننا، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عَقِبنا من بعدنا، قالا: إنا نُعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا، فقال:"لأبعثنّ معكم رجلًا أمينًا حَقَّ أمين"، فاستشرف له أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"قم يا أبا عبيدة بن الجراح"، فلما قام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أمين هذه الأمة".
وقوله:"جاء السيد والعاقب صاحبا نجران"، أما السيد فكان اسمه: الأيهم -بتحتانية ساكنة - ويقال: شُرَحبيل، وكان صاحب رحالهم، ومجتمعهم، ورئيسهم في ذلك، وأما العاقب فاسمه عبد المسيح، وكان
(١) "حاشية السندي على ابن ماجه" ١/ ٩٣. (٢) "المفهم" ٦/ ٢٩٤. (٣) "الفتح" ٨/ ٤٥٦.