وقيل: الاصطفاء، وسُمِّي إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- خليلًا؛ لأنه والى في الله تعالى، وعادى فيه، وقيل: سُمّي به؛ لأنه تخلّق بخلال حسنة، وأخلاق كريمة، وخُلّة الله تعالى له نَصْره، وجَعْله إمامًا لمن بعده.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وخُلّة الله. . . إلخ" هذا مذهب المأوّلة؛ لأنهم لا يثبتون صفة الخلّة لله تعالى، ويفسّرونها بلازمها، وهو النصر ونحوه، كما هو مذهبهم في صفة المحبّة، ونحوها، وهذا مخالف لمذهب السلف؛ فإنهم يثبتون صفة الخلّة، والمحبّة، ونحوهما على معناها الحقيقيّ على ما يليق بجلاله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، دون تشبيه، ولا تعطيل، ولا تحريف، فاسلك سبيلهم، فإنه الحقّ، والصراط المستقيم، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودّة بتخلل الأسرار، وقيل: أصلها المحبة، ومعناه الإسعاف والألطاف، وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله.
ومعنى الحديث أن حب الله تعالى لم يُبق في قلبه موضعًا لغيره.
قال القاضي: وجاء في أحاديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"ألا وأنا حبيب الله"، فاختلف المتكلمون هل المحبة أرفع من الخلة، أم الخلة أرفع، أم هما سواء؟ فقالت طائفة: هما بمعنًى، فلا يكون الحبيب إلا خليلًا، ولا يكون الخليل إلا حبيبًا، وقيل: الحبيب أرفع؛ لأنها صفة نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: الخليل أرفع، وقد ثبتت خلة نبينا -صلى الله عليه وسلم- لله تعالى بهذا الحديث، ونفى أن يكون له خليل غيره، وأثبت محبته لخديجة، وعائشة، وأبيها، وأسامة، وأبيه، وفاطمة، وابنيها، وغيرهم، ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته، وعصمته، وتوفيقه، وتيسير ألطافه، وهدايته، وإفاضة رحمته عليه، هذه مباديها، وأما غايتها فكشف الحجب عن قلبه، حتى يراه ببصيرته، فيكون كما قال في الحديث الصحيح:"فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره. . ." إلى آخره. انتهى كلام القاضي (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ومحبة الله. . . إلخ" قد أسلفت لك آنفًا