تواضعًا، واحترامًا لإبراهيم -عَلَيْهِ السَّلام- لِخُلّته، وأُبُوّته، وإلا فنبيّنا -صلى الله عليه وسلم- أفضل، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم"، ولم يقصد به الافتخار، ولا التطاول على من تقدمه، بل قاله بيانًا لِمَا أُمِر ببيانه، وتبليغه، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولا فَخْرَ"؛ لينفيَ ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة.
وقيل: يَحْتَمِل أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إبراهيم خير البرية، قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم.
[فإن قيل]: التأويل المذكور ضعيفٌ؛ لأن هذا خبرٌ، فلا يدخله خُلْفٌ، ولا نسخٌ.
[فالجواب]: أنه لا يمتنع أنه أراد أفضل البرية الموجودين في عصره، وأطلق العبارة الموهمة للعموم؛ لأنه أبلغ في التواضع.
وقد جزم صاحب "التحرير" بمعنى هذا، فقال: المراد أفضل بريّة عصره.
وأجاب القاضي عياض عن التأويل الثاني بأنه، وإن كان خبرًا، فهو مما يدخله النسخ من الأخبار؛ لأن الفضائل يمنحها الله تعالى لمن يشاء، فأخبر بفضيلة إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلام- إلى أن عَلِم تفضيل نفسه، فأخبر به، ويتضمن هذا جواز التفاضل بين الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-.
ويجاب عن حديث النهي عنه بالأجوبة السابقة في أول كتاب الفضائل، ذَكَره النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قد عارض هذا الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيِّد ولد آدم"، وما عُلم من غير ما موضع من الكتاب والسُّنَّة، وأقوال السلف، والأمَّة أنه -صلى الله عليه وسلم- أفضل ولد آدم، وقد انْفُصِل عن هذا بوجهين:
[أحدهما]: أن ذلك من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على جهة التواضع، وتَرْك التطاول على الأنبياء، كما قال:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أكرم ولد آدم على ربي يوم القيامة، ولا فخر"(٢)، وخصوصًا على إبراهيم؛ الذي هو أعظم آبائه، وأشرفهم.
(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٢١ - ١٢٢. (٢) رواه الترمذيّ (٣٦٢٠) وإسناده ضعيف؛ أي: بهذا السياق، وأما حديث: "أنا سيد ولد آدم" فأخرجه مسلم، فتنبّه.