"فنظرت إلى ظهره؛ كأنه سَبِيكة فضة"، وعن سعيد بن المسيِّب، أنه سمع أبا هريرة يَصِف النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال:"كان شديد البياض"، أخرجه يعقوب بن سفيان، والبزار بإسناد قويّ.
والجمع بينهما بما تقدم، وقال البيهقيّ: يقال: إن المشَرَّب منه حمرة، وإلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح، وأما ما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر.
قلت (١): وهذا ذكره ابن أبي خيثمة عقب حديث عائشة -رضي الله عنها- في صفته -صلى الله عليه وسلم- بأبسط من هذا، وزاد:"ولونه الذي لا يُشَكّ فيه الأبيض الأزهر".
وأما ما وقع في زيادات عبد الله بن أحمد في "المسند" من طريق عليّ: "أبيض مشرَّب شديد الوضح"، فهو مخالف لحديث أنس:"ليس بالأمهق"، وهو أصحّ.
ويمكن الجمع بحمل ما في رواية عليّ على ما تحت الثياب، مما لا يلاقي الشمس. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(وَلَا بِالآدَمِ)؛ أي: الأسمر، والمراد أنه -صلى الله عليه وسلم- ليس بأسمر، ولا بأبيض كريه البياض، بل أبيض بياضًا نَيِّرًا، كما قال في الحديث السابق:"أنه -صلى الله عليه وسلم- كان أزهر اللون"، وكذا قال في الرواية التي بعده:"كان أزهر".
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "ليس بالآدم"؛ أي: الذي تغلب سمرتُهُ السوادَ، فإنَّ السُّمرة بياضٌ يميل إلى سواد، والسُّحْمة -بالسين- فوقه، ثم الصُّحْمة -بالصاد- فوقه، وهو غالب لون الحبشة، ثم الأُدْمَة فوقه، وهو غالب ألوان العرب، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان بياضه مشربًا بحمرة في صفاء، فصَدَق عليه أنه أزهر، وأنه مُشْرَبٌ، وهذا اللون هو أعدل الألوان، وأحسنها. انتهى (٢).
(وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ) قال القرطبيّ: يُرْوَى بفتح الطاء، وكسرها، وهو الشديد الجعودة الذي لا يطول إلا باليد، وهو حال شعور السودان، (وَلَا بِالسَّبِطِ)؛ أي: المسترسل الذي لا تَكَسّر فيه، وهو غالب شعور الروم،
(١) القائل: هو الحافظ ابن حجر. (٢) "المفهم" ٦/ ١٣٩.