(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي، وَأَمَتِي) لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، (كلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلَامِي، وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ، وَفَتَاتِي") هما بمعنى الشابّ والشابة؛ بناءً على الغالب في الْخَدَم، أو القويّ، والقوية، ولو باعتبار ما كان (١).
وقال في "شرح السُّنَّة": قيل: إنما منع أن يقول: ربي؛ لأن الإنسان مربوب، مُتَعَبَّدٌ بإخلاص التوحيد، فكره المضاهاة بالاسم؛ لئلا يدخل في معنى الشرك، والعبد والحرّ فيه بمنزلة واحدة، ولم يمنع العبد أن يقول: سيّدي، ومولاي؛ لأن مرجع السيادة إلى معنى الرئاسة له، وحسن التدبير لأمره، ولذلك سُمّي الزوج سيّدًا، وقيل في كراهة هذه الأسماء: هو أن يقول ذلك على طريق التطاول على الرقيق، والتحقير لشأنه، وإلا فقد جاء به القرآن، قال تعالى:{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[النور: ٣٢]، وقال:{عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}[النحل: ٧٥]، وقال:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}[يوسف: ٤٢]، وقال أيضًا:{سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}[يوسف: ٢٥]، ومعنى هذا راجع إلى البراءة من الكِبْر، والتزام الذلّ، والخضوع، فلم يحسن لأحد أن يقول: فلان عبدي، بل يقول: فتاي، وإن كان قد مَلَك فتاه؛ ابتلاءً، وامتحانًا من الله تعالى لخلقه، كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً}[الفرقان: ٢٠]، وعلى هذا امتحان الله تعالى أنبياءه، وأولياءه، ابتلى يوسف - عليه السلام - بالرقّ. انتهى (٢).
وقال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا كله من باب الإرشاد إلى إطلاق اسم الأَولى؛ لا أن إطلاق ذلك الاسم محرَّم، ألا ترى قول يوسف - صلى الله عليه وسلم -: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}[يوسف: ٤٢] و {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}[يوسف: ٥٠]، و {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}[يوسف: ٢٣]، وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أن تلد الأمة ربَّها، وربَّتها"! فكأن محل النهي في هذا الباب ألا تُتَّخذ هذه الأسماء عادة، فيُترك الأَولى،