حديث اليَتَامَى:"تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلُوا مَعَهُم"؛ أَي: ضَيَّقوا على أَنفُسِهم (١).
قال القرطبيّ: قال مالك - رحمه الله -: يكفي في الإنذار أن يقول: أحرِّج عليك بالله، واليوم الآخر، أن لا تبدو لنا، ولا تؤذوننا، وحَكَى ابن حبيب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه يقول:"أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكنّ سليمان، أن لا تؤذوننا، وأن لا تظهرن علينا". انتهى.
وقال الزرقانيّ: صفة الإنذار ما رَوَى الترمذيّ، وحسّنه (٢)، عن أبي ليلى قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ظهرت الحية في المسكن، فقولوا لها: نسألك بعهد نوح، وبعهد سليمان بن داود، لا تؤذينا، فإن عادت فاقتلوها".
ولأبي داود من حديثه أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن جِنّان البيوت، فقال:"إذا رأيتم منهنّ شيئًا في مساكنكم، فقولوا: أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح، أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان، أن لا تؤذونا، فإن عُدن فاقتلوهنّ"(٣).
وقال مالك: يكفي أن يقال: أُحَرِّج عليكم بالله، واليوم الآخر، أن لا تَبدوا لنا، ولا تؤذونا.
وقال في "الفتح": معنى التحريج أن يقال لهنّ: أنتِ في ضِيق وحرج إن لبثت عندنا، أو ظهرتِ لنا، أو عُدت إلينا.
وقوله:(وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ) وفي الرواية الماضية: "فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان" قال القاضي عياض: لأنه إذا لم يذهب بالإنذار بان أنه ليس من عُمّار البيوت، ولا ممن أسلم، وأنه شيطان، فقَتْله مباح، وأن الله - عز وجل - لم يجعل له سبيلًا إلى الاقتصاص ممن قتله، كما فعل لجنّان البيت، ومن أسلم، لم يُنْذَر. انتهى (٤).
وقال القرطبيّ: والأمر في ذلك للإرشاد، إلا إن تحقق الضرر، فيجب رفعه.
(١) "تاج العروس" ١/ ١٣٥٩. (٢) في سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو متكلَّم فيه، ولذا ضعَّف الحديث بعضهم. (٣) فيه الكلام الذي قبله. (٤) "شرح الزرقاني" ٤/ ٤٩٧.