نصف الليل، صارت أبعد ما تكون إلى العرش، فحينئذ تسجد، وتستأذن في الطلوع، كما جاءت في ذلك الأحاديث.
وقيل: المراد بِمُستقرِّها هو انتهاء سيرها، وهو غاية ارتفاعها في السماء في الصيف، وهو أَوْجُها، ثم غاية انخفاضها في الشتاء، وهو الحضيض.
والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها، وهو يوم القيامة، يَبطُل سيرها، وتسكن حركتها، وتُكَوَّر، وَيَنتهِي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزمانيّ.
قال قتادة:{لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}[يس: ٣٨] أي: لوقتها لأَجَلٍ لا تعدوه، وقيل: المراد أنها لا تزال تنتقل في مطالعها الصيفية إلى مُدَّة لا تزيد عليها، ثم تنتقل في مطالع الشتاء إلى مدة لا تزيد عليها، يُرْوَى هذا عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس - رضي الله عنهم -: "والشمس تجري لا مُسْتَقَرَّ لها"؛ أي: لا قَرَارَ لها، ولا سكون، بل هي سائرة ليلًا ونهارًا، لا تَفْتُر، ولا تَقِفُ، كما قال تبارك وتعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ}[إبراهيم: ٣٣] أي: لا يفتران، ولا يقفان إلى يوم القيامة. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله باختصار (١).
وقال في "الفتح": وأما قوله: "تحت العرش" فقيل: هو حين محاذاتها، ولا يخالف هذا قوله تعالى:{وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}[الكهف: ٨٦]، فإن المراد بها نهاية مُدْرَك البصر إليها حال الغروب، وسجودُها تحت العرش إنما هو بعد الغروب.
قال: وفي الحديث رَدٌّ على من زَعَمَ أن المراد بمستقرّها غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع، وذلك أطول يوم في السنة، وقيل: إلى منتهى أمرها عند انتهاء الدنيا.
وقال الخطابيّ: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارًا لا نحيط به نحن، ويحتمل أن يكون المعنى: أنّ عِلْمَ ما سألت عنه (٢) من مُستقرِّها تحت العرش في كتاب كُتِب فيه ابتداءُ أمور العالم
(١) "تفسير ابن كثير" ١١/ ٣٦١ - ٣٦٢. (٢) هذا الكلام قاله الخطابيّ في شرح قول أبي ذرّ - رضي الله عنه -: سألت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا … }، كما سيأتي آخر الباب.