أَخْرَجَ ابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثه:"قُلْت: يَا رَسُول الله، مَا تَقُول في الضبّ؟ فَقَالَ: "لا آكُلهُ، وَلا أُحَرِّمهُ"، قَالَ: قُلْت: فَإِنِّي آكُل مَا لَمْ تُحَرِّم"، لكن في سَنَده عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو متّفقٌ على ضعفه.
ويأتي في الباب من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه -: "قال رجل: يا رسول الله أنا بأرض مضبّة، فما تأمرنا؟ قال: ذُكر لي أن أمة من بني إسرائيل مُسخت، فلم يَأمر، ولم يَنه".
وقوله:"مضبة" - بضم أوله، وكسر المعجمة -؛ أي: كثيرة الضباب، قال الحافظ: وهذا يمكن أن يفسَّر بثابت بن وديعة، فقد أخرج أبو داود، والنسائيّ من حديثه قال: أصبت ضبابًا، فشويت منها ضبًّا، فأتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عُودًا، فَعَدَّ به أصابعه، ثم قال:"إن أمة من بني إسرائيل مُسخت دواب في الأرض، وإني لا أدري أيّ الدوابّ هي، فلم يَأكل، ولم يَنه"، وسنده صحيح. انتهى (١).
(عَنِ الضَّبِّ)؛ أي: عن أكل لحمه، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("لَسْتُ بِآكِلِهِ) لكراهته له طبعًا، لا دينًا (وَلَا مُحَرِّمِهِ") وهذا صريحٌ في أنه حلالٌ، لكنه مستقذَر طبعًا، لا يوافق بعض الطبائع، قال النوويّ - رحمه الله -: ثبتت هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال في الضبّ:"لست بآكله، ولا محرِّمه"، وفي رواية:"لا آكله، ولا أحرّمه"، وفي رواية: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"كلوا، فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي"، وفي رواية: أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يده منه، فقيل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال:"لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه"، فأكلوه بحضرته، وهو ينظر - صلى الله عليه وسلم -.
قال: وأجمع المسلمون على أن الضبّ حلال، ليس بمكروه، إلا ما حُكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته، وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا: هو حرام، قال النوويّ: وما أظنه يصح عن أحد، وإن صح عن أحد، فمحجوج بالنصوص، وإجماع مَن قبله. انتهى (٢).
(١) "الفتح" ١٢/ ٥٢٢، كتاب "الذبائح" رقم (٥٥٣٦). (٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٩٧ - ٩٩.