وكلها متقاربة المعنى، ومحصّله تحقيق الوعد المذكور في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية [التوبة: ١١١]، وذلك التحقيق على وجه الفضل منه - سبحانه وتعالى -، وقد عبّر الله - عز وجل - بتفضّله بالثواب بلفظ الضمان، ونحوه مما جرت به عادة المتخاطبين فيما تطمئنّ به نفوسهم.
وقال القاضي عياض: قوله: "تضمّن الله"، معناه: أوجب له بفضله، قيل: وهذا الضمان والكفالة بما سبق في أول علمه، وما صرّح به في كتابه بقوله:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[التوبة: ١١١]، قال بعض العلماء: وليس في الآية شرط أنهم يُقتلون بكلّ حال، بل ذَكر الحالين، فقال:{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}، ولهذا قال بعض الصحابة: ما أبالي قُتلت في سبيل الله، أو قَتَلت، ثم تلا الآية. انتهى (١).
وقوله:(لَا يُخْرِجُهُ) بضمّ أوله، من الإخراج رباعيًّا، (إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي) قال النوويّ - رحمه الله -: هكذا هو في جميع النسخ: "جهادًا" بالنصب، وكذا قال بعده:"وإيمانًا بي، وتصديقًا"، وهو منصوب على أنه مفعول له، وتقديره: لا يخرجه المخرجُ، ويحرِّكه المحرِّك إلا للجهاد، والإيمان، والتصديق. انتهى (٢).
وقوله:(وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي) معناه: إلا محض الإيمان والإخلاص، وهو نصّ على اشتراط خلوص النيّة في الجهاد، وقوله في الرواية التالية:"وتصديق كلمته"؛ أي: كلمة الشهادتين، وقيل: تصديق كلام الله تعالى في الإخبار بما للمجاهدين من عظيم ثوابه.
وقوله:"لا يخرجه إلا جهادًا في سبيلي، وإيمانًا بي. . . إلخ" فيه التفات؛ لأن فيه انتقالًا من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلّم، وقال ابن مالك: فيه حَذْف القول، والاكتفاء بالمقول، وهو سائغ، شائع، سواء كان حالًا، أو غير حال، فمن الحال: قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ} الآية [غافر: ٧]؛ أي: قائلين: ربنا، وهذا مثله؛ أي: قائلًا: لا يخرجه. . . إلخ.
قال في "الفتح": وقد اختَلَفت الطرُق عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في سياقه،