فالكل يشتركون في إثم الْجَوْر، غير أن الإمام أعظمهم حظًّا منه؛ لأنه مُمْضِيه، وَحَامِلٌ عليه. انتهى (١).
ولفظ البخاريّ:"وإن قال بغيره، فإن عليه منه"، قال في "الفتح": قيل: استَعْمَل القول بمعنى الفعل، حيث قال: فإن قال بغيره، كذا قال بعض الشرّاح، وليس بظاهر، فإنه قسيم قوله:"فإن أَمَر" فيُحْمَل على أن المراد: "وإن أَمَر"، والتعبير عن الأمر بالقول لا إشكال فيه، وقيل: معنى قال هنا: حَكَمَ، ثم قيل: إنه مشتقّ من القَيْل، بفتح القاف، وسكون التحتانية، وهو الْمَلِك الذي يُنَفَّذ حكمه، بلغة حِمْيَر.
وقوله:"فإن عليه منه"؛ أي: وزرًا، وحُذِف في هذه الرواية على طريق الاكتفاء؛ لدلالة مقابله عليه، وقد ثبت في غير هذه الرواية، ويَحْتَمِل أن يكون "من" في قوله: "فإن عليه منه" تبعيضية؛ أي فإن عليه بعض ما يقول، وفي رواية أبي زيد المروزيّ:"مُنّة" بضم الميم، وتشديد النون، بعدها هاء تأنيث، وهو تصحيف بلا ريب، وبالأول جزم أبو ذَرّ. انتهى (٢).
وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "وإن قال بغيره": قال في "شرح السنّة": أي: حَكَم، يقال: قال الرجل: إذا حكم، ومنه الْقَيْلُ، وهو المَلِك الذي يُنفّذ قوله وحُكمه.
وقال التوربشتيّ:"قال بغيره"؛ أي: أحبّه، وأخذ به إيثارًا له، وميلًا إليه، وذلك مثل قولك: فلان يقول بالقَدَر، ونحو ذلك، فالمعنى: أنه يحبّه، ويؤثره.
وقال البيضاويّ:"قال بغيره"؛ أي: أمر بما ليس فيه تقوى، ولا عدلٌ، بدليل أنه جُعِل قسيم:"فإن أَمَر بتقوى الله، وعَدَل"، ويَحْتَمِل أن يكون المراد به: القول المطلق، أو أعمّ منه، وهو ما يراه، ويؤثره، من قولهم: فلان يقول بالقدر؛ أي: إن رأى غير ذلك، وآثر قولًا كان، أو فعلًا؛ ليكون مقابلًا لقسيمه، وسدّ الطرق المخالفة المؤدّية إلى هَيْج الفتن.
(١) "المفهم" ٤/ ٢٧. (٢) "الفتح" ٧/ ٢١٥ - ٢١٦، كتاب "الجهاد" رقم (٢٩٥٧).