تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضًا" (١). ويعتضد هذا: بأن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكن يقم له أحد، ولا يقوم هو لأحد، هذا هو المنقول من سيرته، وعليه درج الخلفاء - رضوان الله عليهم - ولو كان القيام لأحد من العظماء مشروعًا، لكان أحق الناس بذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخلفاؤه، ولم فلا.
وتأوَّل بعض أصحابنا حديث: "قوموا إلى سيدكم" على أنَّ ذلك مخصوص بسعد، لِمَا تقتضيه تلك الحال المعيَّنة، وقال بعضهم: إنما أمرهم بالقيام له لينزلوه عن الحمار لمرضه، وفيه بُعد، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).
وقوله:(أَوْ) للشكّ من الراوي؛ أي: أو قال: (خَيْرِكُمْ") بدل "سيّدكم"، قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: واختلفوا في الذين عناهم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله:"قوموا إلى سيدكم"، هل هم الأنصار خاصّةً، أم جميع من حضر من المهاجرين معهم؟. انتهى.
(ثُمَّ قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("إِنَّ هَؤُلَاءِ)؛ يعني: أهل قريظة (نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ") وذلك بعد نزولهم على حكمه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ففي حديث عائشة - رضي الله عنها - التالي:"فأتاهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنزلوا على حُكمه، فردّ الحكم إلى سعد"، قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: يُجمع بين الروايتين بأنهم نزلوا على حُكم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرَضُوا بردّ الحكم إلى سعد، فنُسِب إليه، قال: والأشهر أن الأوس طلبوا من النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العفو عنهم؛ لأنهم كانوا حلفاءهم، فقال لهم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ "؛ يعني: من الأوس، يُرضيهم بذلك، فرَضُوا به، فردّه إلى سعد بن معاذ الأوسيّ. انتهى (٣).
(قَالَ) سعد - رضي الله عنه - (تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ) ببناء الفعل للفاعل، وكذا قوله:(وَتَسْبِي ذُرَّيَّتَهُمْ) تقدّم أن الذريّة تُطلق على النساء والصبيان معًا، وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور:"قال: فإني أحكم فيهم أن تُقتَل المقاتلة، وأن تُسبى النساء، والذرّيّة، وأن تُقسم أموالهم".
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: إنما حكم سعد - رضي الله عنه - فيهم بذلك؛ لعظيم جناياتهم،
(١) حديث صحيح، رواه أبو داود (٥٢٣٠)، وابن ماجة (٣٨٣٦). (٢) "المفهم" ٣/ ٥٠٢ - ٥٩٣. (٣) راجع: "شرح النوويّ" ١٢/ ٦٣.