وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، فصح أن الحرم كله هو المسجد الحرام، ثم ذكر حديث قصّة ثمامة المذكور.
وقال أبو محمد - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما أبو حنيفة فإنه قال: إن الله تعالى قد فرَّق بين المشركين، وبين سائر الكفار، فقال تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ}[البينة: ١]. وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ}[الحج: ١٧]، قال: والمشرك هو من جعل لله شريكًا لا من لَمْ يجعل له شريكًا.
قال: فأما تعلقه بالآيتين فلا حجة له فيهما؛ لأنَّ الله تعالى قال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرَّحمن: ٦٨]، والرمان من الفاكهة، وقال تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[البقرة: ٩٨] وهما من الملائكة، وقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} الآية [الأحزاب: ٧]، وهؤلاء من النبيين، إلى آخر ما قاله ابن حزم في الردِّ على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أرجح الأقوال عندي هو ما رجحه ابن حزم، وهو قول الشافعيّ وداود الظاهريّ - رحمهم الله تعالى -، وحاصله جواز دخول الكافر مطلقًا المساجد، إلَّا المسجد الحرام؛ لظاهر الآية، ولحديث قصّة ثمامة بن أثال - رضي الله عنه - المذكورة في الباب، وهذا هو الأَولى مما ادّعاه القائلون بالمنع مطلقًا من نَسْخ الحديث بالآية، وغير ذلك من التأويلات التي ذكرها القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "تفسيره"(٢)؛ لأنَّ الجمع إذا أمكن لا يصار إلى النسخ، أو غيره، فتأمله بالإمعان، والإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.