وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: والمناشدة: السؤال، مأخوذة من النَّشِيد: وهو رفع الصوت.
قال: وضبطوا "مناشدتك" بالرفع، والنصب، وهو الأشهر، قال القاضي: من رفعه جعله فاعلًا بـ "كفاك"، ومن نصبه فعلى المفعول بما في "حسبك"، و"كفاك"، و"كذاك" من معنى الفعل، من الكفّ، قال العلماء: هذه المناشدة إنما فعلها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليراه أصحابه بتلك الحال، فتَقْوَى قلوبهم بدعائه، وتضرعه، مع أن الدعاء عبادة، وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين: إما الْعِير، وإما الجيش، وكانت العِير قد ذهبت، وفاتت، فكان على ثقةٌ من حصول الأخرى، لكن سأل تعجيل ذلك، وتنجيزه من غير أَذًى يلحق المسلمين. انتهى (١).
وقال البغويُّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرح السُّنَّة": ليس قول أبي بكر - رضي الله عنه - هذا لأنَّ حاله في الثقة بربّه كان أرفع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يجوز لأحد أن يَظُنّ ذلك، وإنما المعنى فيه الشفقة منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قلوب أصحابه، والتقوية لِمُنّتهم (٢)؛ إذ كان أول مشهد شهدوه، وكانوا مكثورين بأضعاف من أعدائهم، فابتهل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الدعاء والمسألة، يُسكّن بذلك ما في نفوسهم؛ إذ كانوا يعلمون أن دعوته مستجابة، فلما قال له أبو بكر: حسبك كفّ عن الدعاء؛ إذ قد عَلِم أنه قد استجيب دعاؤه بما وجده أبو بكر في نفسه من الْمُنّة والقوّة، حتى قال هذا القول. انتهى (٣).