يعبدون الله، والقدرة صالحة لذلك، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد: ٣٨]، وإذا كانت قدرة الله صالحة لهذا، فمن أين يجزم بذلك؟ ومن أين يلزم من هلاك هؤلاء عدم عبادة الله تعالى في الأرض؟.
وقد رَسَخَ هذا الإشكال عند بعض المتشدِّقين، وقال: إنها بادرة بَدَرَت من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقدَّر معاتبة له من الله له على ذلك في كلام تفاصَحَ فيه، فَعُدّ ذلك من زلَّات هذا القائل؛ إذ قد جَهِلَ من حال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما نزهه الله تعالى عنه بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)} [النجم: ٣]، وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال له عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: أنكتب عنك في السخط والرضى؟ قال:"نعم، لا ينبغي لي أن أقول إلَّا حقًّا"(١).
وقد انفصل أهل التحقيق عن ذلك بأوجهٍ:
[أحدها]: أنه يَحْتَمِل أن يكون قال ذلك عن وحي، أوحي إليه بذلك، فمن الإشكال الجائز أن يكون: لو هلكت تلك العصابة في ذلك الوقت على يدي عدوّهم؛ أن يفتتن غيرهم، فلا يبقى على الأرض مسلم يعبد الله، ثم لا يُبعَث نبي آخر، وتنقطع العبادة.
[والثاني]: أن هذا اللفظ وَهَمٌ من بعض الرُّواة في حديث عُمَر؛ وإلا فقد رُوي هذا الحديثُ من جهات متعددة من حديث أنس، وابن عباس، وليس فيها هذا اللفظ، وإنما فيها:"اللهم إنك إن تشأ لا تعبدْ في الأرض"(٢)، وقد تقدم الكلام عليه.
[وثالثها]: أن هذه العصابة ليس المراد بها الحاضرون في بدر فقط، بل المسلمون كلهم في المدينة وغيرها، وسمّاهم عصابة بالنسبة إلى كثرة عدوّهم، كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عُصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى"(٣)،
(١) حديث صحيح، رواه أحمد في "مسنده" (٢/ ٢٠٧ و ٢١٥)، وأبو داود في "سننه" (٣٦٤٦). (٢) رواه مسلم برقم (١٣١٣)، وأحمد ٣/ ١٥٢. (٣) رواه مسلم برقم (١٨٢٢).