صدقة"، قال ابن عيينة: يقول: لا أُورث، وأما قوله: "مئونة عاملي"، فإنهم يقولون: أراد بعامله: خادمه في حوائطه، وقَيِّمه، ووكيله، وأجيره، ونحو هذا. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال العلماء: هذا التقييد بالدينار هو من باب التنبيه على ما سواه، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)} [الزلزلة: ٧]، وقال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}[آل عمران: ٧٥] قالوا: وليس المراد بهذا اللفظ النهي؛ لأنه إنما يُنْهَى عما يمكن وقوعه، وإرثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير ممكن، وإنما هو بمعنى الإخبار، ومعناه: لا يقتسمون شيئًا؛ لأني لا أُورَثُ، هذا هو الصحيح المشهور من مذاهب العلماء في معنى الحديث، وبه قال جماهيرهم.
وحَكَى القاضي عياض: عن ابن علية، وبعض أهل البصرة أنهم قالوا: إنما لَمْ يورث؛ لأنَّ الله تعالى خصّه أن جعل ماله كلّه صدقة، والصواب الأول، وهو الذي يقتضيه سياق الحديث.
ثم إن جمهور العلماء على أنَّ جميع الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - لا يورثون.
وحَكَى القاضي عن الحسن البصريّ أنه قال: عدم الإرث بينهم مختص بنبيّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لقوله تعالى عن زكريا:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[مريم: ٦]، وزعم أن المراد: وراثة المال، وقال: ولو أراد وراثة النبوة لَمْ يقل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي}[مريم: ٥]؛ إذ لا يخاف الموالي على النبوة، ولقوله تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}[النمل: ١٦]، والصواب ما حكيناه عن الجمهور أن جميع الأنبياء لا يورثون، والمراد بقصة زكريا وداود وراثة النبوة، وليس المراد حقيقة الإرث، بل قيامه مقامه، وحلوله مكانه، والله أعلم. انتهى (٢).
وقوله:(مَا تَرَكْتُ) "ما" اسم موصول مبتدأ، و"تركت" صلته، حذف منه العائد؛ أي: الذي تركته (بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي) اختُلف في المراد