قال العراقيّ: ولا دليل فيه؛ لأن ألفاظ الأذكار توفيقية، وربما كان في اللفظ سِرّ لا يحصل بغيره، ولعله أراد أن يجمع بين اللفظين في موضع واحد، قال: والصواب ما قاله النوويّ، وكذا قال البلقينيّ، وقال البدر بن جماعة: لو قيل: يجوز تغيير "النبيّ" إلى "الرسول"، ولا يجوز عكسه لَمَا بَعُد؛ لأن في "الرسول" معنى زائدًا على "النبيّ". انتهى (١).
(قَالَ:"لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَالْمَصَّتَانِ") "المصّة" بفتح الميم، وتشديد الصاد المهملة: المرّة من مَصَّ يَمَصّ، يقال: مَصِصْتُهُ بكسر الصاد، أَمَصُّهُ، من باب تَعِبَ، ومَصَصَتُهُ أَمُصُّهُ، من باب قتل: شَرِيته شُرْبًا رَفيقًا، كامتصصته، أفاده المجد - رحمه الله - (٢).
وفي رواية:"لا تُحَرِّم الإملاجة، والإملاجتان"، وفي رواية: قال: يا نبي الله، هل تُحَرِّم الرضعة الواحدة؟ " قال: "لا"، وفي رواية عائشة الآتية في الباب التالي: "قالت: كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحَرِّمن، ثم نُسِخْن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهنّ فيما يُقرأ من القرآن"، أما الإملاجة، فبكسر الهمزة، والجيم المخففة، وهي الْمَصَّة، يقال: مَلَجَ الصبيُّ أمه، وأملجته (٣).
وقد أخذ بهذا الحديث داود الظاهريّ - رحمه الله -، فقال: أقل ما يُحرِّم ثلاث رضعات، ولا تحرّم الرضعة، ولا الرضعتان، وهو تمسّك بدليل الخطاب، وذهب الشافعيّ - رحمه الله - إلى أن أقل ما يقع به التحريم خمس رضعات، أخذًا بحديث عائشة - رضي الله عنها - الآتي في الباب التالي، وذهب الجمهور إلى أن الرضعة الواحدة تُحرّم؛ تمسّكًا بظاهر قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} الآية [النساء: ٢٣]، وسيأتي تحقيق الخلاف، مع تخريج ما ذهب إليه الشافعيّ في الباب التالي - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.