بالاستسقاء، فإن بعض أصحاب أنس جزم عنه بأنه الرجل الأول، وبعضهم ذكر أنه سأله عن ذلك، فقال: لا أدري، كما تقدم في مكانه، وهو محمول على أنه كان يذكره، ثم عرض له الشكّ، فكان يشكّ فيه، ثم تذكّر، فجزم. انتهى (١).
(قَالَ: فَانْطَلَقَ) - صلى الله عليه وسلم - (حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ)؛ أي: البيت الذي فيه زينب - رضي الله عنها - (فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ)؛ أي: على عادته قبل نزول الحجاب (فَأَلْقَى السِّتْرَ) - بكسر السين -؛ أي: الحجاب الساتر عن أعين الناس (بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَنَزَلَ الْحِجَابُ)؛ أي: آية الحجاب، وفي رواية:"حتى إذا وضع رجله في أُسكفّة الباب داخلة، والأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه، وأُنزلت آية الحجاب"، وعند الترمذيّ عن أنس:"فلما أرخى الستر دوني ذكرت ذلك لأبي طلحة، فقال: إن كان كما تقول لينزلن فيه قرآن، فنزلت آية الحجاب".
(قَالَ) أنس (وَوُعِظَ الْقَوْمُ) ببناء الفعل للمفعول؛ أي: وعظهم الله تعالى (بِمَا وُعِظُوا بِهِ) بالبناء للمفعول أيضًا؛ أي: بالكلام الذي وعظهم به، وهو قوله تعالى:{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} إلى قوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}[الأحزاب: ٥٣].
وقوله:(زَادَ ابْنُ رَافِعٍ)؛ يعني: شيخه الثاني، وغرضه بيان اختلاف شيخيه: محمد بن حاتم، ومحمد بن رافع، فالأول اقتصر على قوله:"ونزل الحجاب"، والثاني زاد (فِي حَدِيثِهِ) ذكر الآية، وهي قوله:({لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}) قال أبو عبيدة: "إناه"؛ أي: إدراكه، وبلوغه، ويقال: أَنَى يأني أَنْيًا؛ أي: بلغ، وأدرك، قال الشاعر [من الوافر]:
وقوله:"أَنْيًا" - بفتح الهمزة، وسكون النون - مصدر أيضًا، وقرأ الأعمش وحده:"آناه" بمد أوله بصيغة الجمع، مثل آناء الليل، ولكن بغير همز في آخره (٢).
إِلَى قَوْلِهِ:({وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}) فيه إثبات صفة الحياء لله تعالى على ما يليق بجلاله، فنحن نثبتها، ولا نعطّل، ولا نشبّه، ولا نحرّف، ولا