الصواب الذي تدلّ عليه الأدلّة الصحيحة، من فعل النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقوله، فتبصّر.
وقال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يريد أن موضع هذه الصلاة المزدلفة، وهي أمامك، وهذا تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس؛ لبيان فعل النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه دليل على أنه لا يصليها الحاجّ إذا أفاض من عرفة حتى يبلغها، وأن عليه أن يجمع بينها وبين العشاء بجمع، على ما سنّه الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفعله، وبيّنه بقوله، ولو أجزأته في غير المكان لمَا أخّرها عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام.
انتهى كلام الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو تحقيق نفيسٌ.
وقال الكرمانيّ متعقّبًا لكلام الخطّابيّ: ليس فيه دليل على أنه لا يجوز؛ إذ فعله المجرد لا يدلّ إلا على الندب، وملازمة الشرطية في قوله:"لَمَا أَخَّرها" ممنوعة؛ لأن ذلك لبيان جواز تأخيرها، أو بيان ندبية التأخير؛ إذ الأصل عدم الجواز.
وتعقّبه العينيّ، فقال: لا نسلّم نفي الدليل على عدم الجواز؛ لأن فعله قارنه قوله، فدلّ على عدم الجواز، وإنما يمشي كلامه أن لو كان أسامة عالمًا بالسنّة، ولم يكن يعلم ذلك؛ لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول من سنها في حجة الوداع، والموضع موضع الحاجة إلى البيان، فَقِرَانُ فعله بقوله دليل على عدم الجواز، ووجوب تأخيرها إلى غير وقتها المعهود، والله أعلم. انتهى كلام العينيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله العينيّ ردًّا على كلام الكرمانيّ تحقيقٌ حقيق بالقبول؛ لأنه الذي تؤيّده الأدلّة الصحيحة، فتبصّر.
قال المحقّق ابن حزم - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما قولنا: "لا تجزئ صلاة المغرب تلك الليلة إلا بمزدلفة، ولا بدّ، وبعد غروب الشفق، ولا بدّ"، فلِمَا رَوَيناه من طريق البخاريّ: نا ابن سلام، نا يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن موسى بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس، عن أسامة بن زيد، قال: لما أفاض رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عرفات، عَدَلَ إلى الشِّعْب، فقضى