إن عجز عن الغسل تيمم، وقال ابن التين: لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة، وإنما ذكروه للطواف، والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف. انتهى (١).
٣ - (ومنها): بيان استحباب دخول مكة نهارًا، قال النوويّ رحمهُ اللهُ: وهذا هو الصحيح الذي عليه الأكثرون من أصحابنا وغيرهم: إن دخولها نهارًا أفضل من الليل، وقال بعض أصحابنا، وجماعة من السلف: الليل والنهار في ذلك سواءٌ، ولا فضيلة لأحدهما على الآخر، وقد ثبت أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دخلها محرمًا بعمرة الجعرانة ليلًا، ومن قال بالأول حمله على بيان الجواز. انتهى (٢).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن قول من خيّر هو الأرجح، فإن شاء دخل نهارًا، هان شاء دخل ليلًا؛ لثبوت كليهما عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو ما رجحه الإمام البخاريّ رحمهُ اللهُ في "صحيحه"، حيث قال:"باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا"، ثم أورد فيه حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- هذا، وهو ظاهر في الدخول نهارًا.
وأما الدخول ليلًا فقد وقع منه -صلى الله عليه وسلم- في عمرة الجعرانة، فإنه -صلى الله عليه وسلم- أحرم من الجعرانة، ودخل مكة ليلًا، فقضى أمر العمرة، ثم رجع ليلًا، فأصبح بالجعرانة كبائت بها، كما رواه أصحاب "السنن" الثلاثة من حديث مُحَرِّش الكعبيّ -رضي الله عنه-، وترجم عليه النسائيّ رحمهُ اللهُ:"دخول مكة ليلًا".
وروى سعيد بن منصور، عن إبراهيم النخعيّ، قال: كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهارًا، ويخرجوا منها ليلًا.
وأخرج عن عطاء: إن شئتم فادخلوا ليلًا، إنكم لستم كرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنه كان إمامًا، فأحب أن يدخلها نهارًا؛ ليراه الناس. انتهى.
قال الحافظ: وقضية هذا أن من كان إمامًا يقتدى به استُحِبّ له أن يدخلها نهارًا. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.