قباء بإعادة الصلاة التي صَلَّوا بعضها إلى القبلة المنسوخة؛ إذ لم يبلغهم وجوب التحول، فكذلك من لم يبلغه وجوب فرض الصوم، أو لم يتمكن من العلم بسبب وجوبه، لم يؤمر بالقضاء.
ولا يقال: إنه ترك التبييت الواجب؛ إذ وجوب التبييت تابع للعلم بوجوب المبيَّت، وهذا في غاية الظهور، ولا ريب أن هذه الطريقة أصحّ من طريقة من يقول: كان عاشوراء فرضًا، وكان يجزئ صيامه بنية من النهار، ثم نُسخ الحكم بوجوبه، فنُسخت متعلّقاته، ومن متعلّقاته إجزاء صيامه بنيّة من النهار؛ لأن متعلقاته تابعة له، وإذا زال المتبوع زالت توابعه، ومتعلقاته، فإن إجزاء الصوم الواجب بنيّة من النهار، لم يكن من متعلقات خصوص هذا اليوم، بل من متعلقات الصوم الواجب، والصومُ الواجب لم يزل، وإنما زال تعيينه، فنُقِل من محل إلى محل، والإجزاء بنيّة من النهار وعدمه، من توابع أصل الصوم، لا تعيينه.
وأصح من طريقة من يقول: إن صوم يوم عاشوراء لم يكن واجبًا قط؛ لأنه قد ثبت الأمر به، وتأكيد الأمر بالنداء العامّ، وزيادة تأكيده بالأمر لمن كان أكل بالإمساك، وكل هذا ظاهرٌ قويّ في الوجوب، ويقول ابن مسعود لأنَّه: إنه لما فُرِض رمضان تُرِك عاشوراء، ومعلوم أن استحبابه لم يترك بالأدلة التي تقدمت، وغيرها، فيتعين أن يكون المتروك وجوبه، فهذه خمسُ طرق للناس في ذلك، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: قد أفاد العلامة ابن القيّم رحمه الله في هذا التحقيق، وخلاصته ترجيح أنه إنما جاز صوم عاشوراء بنيّة من النهار؛ لعدم علمهم بوجوبه في الليل، فلما علموا في النهار تعيّن عليهم الإمساك منه، ولم يؤمروا بقضائه، فدلّ على أنه لا مخالفة بينه وبين دليل وجوب تبييت النيّة، وهو رأي شيخه شيخ الإسلام ابن تيميّة، وهو وجه وجيه قويّ، ينبغي الاعتماد عليه في دفع الإشكال المذكور، فتأمل، والله تعالى أعلم.
قال: وأما الإشكال الرابع، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لئن بَقِيت إلى قابل لأصومنّ التاسع"، وأنه تُوُفّي قبل العام، وقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم التاسع، فابن عباس رَوَى هذا وهذا، وصح عنه هذا