وقال القرطبيّ رحمه الله: و"الغميم" -بفتح الغين-: وادٍ أمام عُسفان بثمانية أميال. و"كُرَاع" جبل أسود هناد يُضاف إلى "الغَمِيم"، والكُراع لغة: هو كلّ أنفٍ مالَ من جبل أو غيره. انتهى.
وفي حديث ابن عباس المتقدّم:"حتى بلغ الْكَديد"، وفي رواية:"حتى أتى قُدَيدًا"، وفي رواية:"حتى أتى عُسفان"، قال القرطبيّ بعد أن ساق هذه الروايات ما نصّه: وهذه الأحاديث المشتملة على ذكر هذه المواضع الثلاثة (٢) كلها ترجع إلى معنى واحد، وهي حكاية حاله - صلى الله عليه وسلم - عند سفره في قدومه إلى مكة، وكان في رمضان في سنة عشرة منه، كما جاء في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، وهذه المواضع متقاربة، ولذا عبّر كلّ واحد من الرواة بما حضر له من تلك الموضع؛ لتقاربها. انتهى (٣).
(فَصَامَ النَّاسُ) أي اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم - حيث صام، وفيه دليل على جواز الصوم في السفر، وهو مذهب الجمهور، وهو الحقّ، وقد تقدّم تمام البحث فيه. (ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ) بفتحتين: إناءٌ يُرْوي الرجلين، جمعه أَقْداح، كسبب وأسباب (٤). (مِنْ مَا، فَرَفَعَهُ) أي إلى فيه، وقوله:(حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ) غاية لرفعه، وفيه بيان سبب الرفع، فكأنه قال: إنما رفعه لأجل أن يراه الناس.
وفي رواية البخاريّ في "المغازي" من طريق خالد الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:"خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والناس صائم، ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن، أو ماء، فوضعه على راحلته، ثم نظر الناس"، زاد في رواية أخرى من طريق طاوس، عن ابن عباس:"ثم دعا بماء، فشرب نهارًا ليراه الناس".
وعند الطحاويّ من طريق أبي الأسود، عن عكرمة أوضح من سياق خالد، ولفظه: "فلما بلغ الكديد بلغه أن الناس شقّ عليهم الصيام، فدعا بقدح
(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٥٤. (٢) هذا بالنسبة لما ذكره، وأما هنا فهي أربعة، فتنبّه. (٣) "المفهم، ٣/ ١٧٥. (٤) راجع: "القاموس" ١/ ٢٤١.