الحوادث، ولا استولت عليه رطوبة الهَرَم. انتهى (١).
(يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ) قال النوويّ: معناه: في ظاهر الأمر، كقولهم: لا حكم إلا لله، ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله تعالى. انتهى.
وقال في "الفتح": قيل: إنه مقلوبٌ، وأن المراد من قول خير البرية، وهو القرآن، ويَحْتَمِل أن يكون على ظاهره، والمراد: القول الحسن في الظاهر، وباطنه على خلاف ذلك، كقولهم:"لا حكم إلا لله"، في جواب عليّ -رضي الله عنه-، كما سيأتي، وقد وقع في رواية طارق بن زياد، عند الطبريّ، قال: خرجنا مع عليّ، فذكر الحديث، وفيه:"يخرج قوم يتكلمون كلمة الحق، لا تجاوز حلوقهم"، وفي حديث أنس، عن أبي سعيد، عند أبي داود، والطبرانيّ:"يحسنون القول، وشميئون الفعل"، ونحوه في حديث عبد الله بن عمرو، عند أحمد، وفي حديث مسلم، عن عليّ:"يقولون الحقّ، لا يجاوز هذا"، وأشار إلى حلقه. انتهى (٢).
(يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) -بالحاء المهملة، والنون، ثم الجيم-: جمع حنجرة، بوزن قَسْوَرة، وهي الحلقوم، والبلعوم، وكله يُطْلق على مَجرَى النفس، وهو طرف المريء مما يلي الفم، ووقع في رواية زيد بن وهب، عن عليّ -رضي الله عنه- الآتي:"لا تجاوز صلاتهم تراقيهم"، فكأنه أطلق الإيمان على الصلاة، وفي حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه- الآتي أيضًا:"لا يجاوز إيمانهم حلاقيمهم"، والمراد أنهم يؤمنون بالنطق، لا بالقلب، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع، عن عليّ الآتي أيضًا:"يقولون الحقّ بألسنتهم، لا يجاوز هذا منهم، وأشار إلى حلقه".
(يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ) ووقع في رواية النسائيّ، والطبريّ:"يمرقون من الإسلام"، وكذا هو في حديث ابن عمر عند البخاريّ، ووقع عند النسائي من رواية طارق بن زياد، عن عليّ:"يمرقون من الحقّ"، فتبيّن بهذا أن المراد من الدين هنا هو الإسلام، لا الطاعة، كما قاله بعضهم، فتنبّه.
(١) "شرح الأبيّ" ٣/ ٢٠٩. (٢) "الفتح" ١٦/ ١٧١ كتاب "استتابة المرتدّين" رقم (٦٩٣٠).