أي لا بُدّ، أو حقًّا، أو لا محالة، أو هذا أصله، ثم كثر حتى تحوّل إلى معنى القسم. انتهى.
وقال في "النهاية": هذه كلمة تَرِدُ بمعنى تحقيق الشيء، وقد اختُلِف في تقديرها، فقيل: أصلها التبرئة، بمعنى لا بُدّ، ثم استُعمِلت في معنى حَقًا، وقيل: جَرَمَ بمعنى كَسَبَ، وقيل: بمعنى وَجَبَ، وحَقَّ و"لا" رَدٌّ لما قبلها من الكلام، ثم يُبتدأ بها، كقوله تعالى:{لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}[النحل: ٦٢]؛ أي ليس الأمر كما قالوا، ثم ابتدأ فقال: وجب لهم النار، وقيل في قوله تعالى:{لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي}[هود: ٨٩]: أي لا يحملنكم، ويَحْدُوكم، وقد تكررت في الحديث. انتهى (١).
وقال ابن هشام الأنصاريّ رحمه الله: أن معنى "لا جرم" عند الفرّاء: لا بُدّ من كذا، أو لا محالة في كذا، فحذفت "من"، أو "في"، وقال قُطْرُب:"لا" رَدٌّ لما قبلها؛ أي ليس الأمر كما وصفوا، ثم ابتدئ ما بعده، و"جَرَمَ" فِعْلٌ، لا اسمٌ، ومعناه: وَجَبَ، وما بعده فاعلٌ، وقال قوم:"لا" زائدة، و"جَرَمَ" وما بعدها فعلٌ وفاعلٌ، كما قال قُطْرُب، وردّه الفراء بأن "لا" لا تزاد في أول الكلام. انتهى (٢).
والمعنى هنا: حقًّا والتزامًا أن لا أرفع إليه -صلى الله عليه وسلم- حديثًا أسمعه من الناس بعد هذه الحادثة؛ لئلا أُغضبه كما أغضبته في هذه المرّة، وفي الرواية التالية:"حتى تمنيتُ أني لم أذكره له".
(لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ) -صلى الله عليه وسلم- (بَعْدَهَا) أي بعد هذه المقالة، أو بعد هذه الواقعة التي غَضِب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من أجلها (حَدِيثًا) إنما قال ذلك؛ لئلا يؤذيه بإبلاغ كلام المنافقين، فيتأثّر به، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.