في جميع النسخ من رواية عَمْرو:"مثلُ المنفق والمتصدق"، قال القاضي عياضٌ وغيره: هذا وَهَمٌ، وصوابه مثل ما وقع في باقي الروايات:"مثل البخيل والمتصدق"، وتفسيرهما آخر الحديث يُبَيِّن هذا، وقد يَحْتَمِل أن صحة رواية عمرو هكذا أن تكون على وجهها، وفيها محذوف، تقديره: مثل المنفق والمتصدق وقسيمهما، وهو البخيل، وحُذِف "البخيل"؛ لدلالة المنفق والمتصدّق عليه، كقول الله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ} الآية [النحل: ٨١]: أي: "والبرد"، وحُذف ذكر البرد لدلالة الكلام عليه. انتهى كلام النوويّ -رحمه الله- (١).
وقال الحافظ -رحمه الله-: قد رواه الحميديّ، وأحمد، وابن أبي عمر، وغيرهم في "مسانيدهم" عن ابن عيينة، فقالوا في رواياتهم:"مثل المنفق، والبخيل"، كما في رواية شعيب، عن أبي الزناد، وهو الصواب. انتهى (٢).
وقال القاضي عياض -رحمه الله- في "شرحه": وقع في هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة، وتصحيفٌ، وتحريفٌ، وتقديم وتأخيرٌ، ويُعرف صوابه من الأحاديث التي بعده، فمنه:"مثلُ المنفق والمتصدق"، وصوابه: المتصدق والبخيل، ومنه:"كمثل رجل"، وصوابه: رجلين عليهما جنتان، ومنه قوله:"جنتان أو جبتان" بالشك، وصوابه: جنتان بالنون بلا شك، كما في الحديث الآخر بالنون بلا شك، والجنة الدرع، ويدل عليه في الحديث نفسه قوله:"فأخذت كل حلقة موضعها"، وفي الحديث الآخر:"جنتان من حديد"، ومنه قوله:"سَبَغَت عليه، أو مَرّت"، كذا هو في النسخ "مَرَّت" بالراء، قيل: إن صوابه مُدَّت بالدال، بمعنى سَبَغَت، وكما قال في الحديث الآخر:"انبَسَطَت"، لكنه قد يَصِحّ "مَرَّت" على نحو هذا المعنى، والسابغُ: الكاملُ، وقد رواه البخاريّ:"مَادَتْ" بدال مخففة، من مَادَ: إذا مال، ورواه بعضهم "مَارَتْ"، ومعناه: سألت عليه، وامتدت، وقال الأزهريّ: معناه: تَرَدَّدت وذهبت وجاءت؛ يعني: لكمالها.
ومنه قوله: "وإذا أراد البخيل أن يُنفق قَلَصَت عليه، وأَخَذت كلُّ حَلْقة