الوداع بنحو من شهرين، فقد جَزَم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربعين يومًا، قال في "الفتح": وما جَزَم به يعارضه قولُ البغويّ، وابنِ حِبّان أنه أسلم في رمضان سنة عشر. ووقع في رواية البخاريّ لهذا الحديث في "باب حجة الوداع" بأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لجرير، وهذا لا يحتمل التأويل، فيُقَوّي ما قال البغوي. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: وكذا لفظ رواية المصنّف وأبي عوانة، بل هو أَيْضًا أصرح؛ لأن قوله:"قال لي"، وقوله:"يا جرير" لا احتمال فيه، والله تعالى أعلم.
(فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) متعلّق بـ "قال"، وسمّيت بذلك؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ودّع الناس فيها، وعلّمهم في خطبته فيها أمر دينهم، وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليُبلّغ الشاهد منكم الغائب". والمعروف في الرواية "حَجّةُ الوداع" بفتح الحاء، وقال الهرويّ وغيره من أهل اللغة: المسموع من العرب في واحدة الْحِجَج حِجّة بكسر الحاء، قالوا: والقياس فتحها؛ لكونها اسمًا للمرّة الواحدة، وليست عبارة عن الهيئة حتّى تُكسَر، قالوا: فيجوز الكسر بالسماع والفتح بالقياس. ذكره النوويّ (١).
وقال الفيّوميّ: الحجّ أي بالفتح: القصد للنسك، والاسم الْحِجّ بالكسر، والْحِجّةُ المرة بالكسر على غير قياس، والجمعُ حِجَجٌ، مثلُ سِدْرَةٍ وسِدَر، قال ثعلبٌ: قياسه الفتح ولم يُسمَع من العرب، وبها سُمّي الشهر ذو الحِجّة بالكسر، وبعضهم يفتح في الشهر، وجمعه ذوات الْحِجّة. انتهى (٢).
وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عند أبي عوانة في "مسنده"(٦٣) قال: "كنّا نتحدّث بحجة الوداع، ولا ندري أنه الوداع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان حجة الوداع حمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح … " الحديث (٣).
("اسْتَنْصِتِ النَّاسَ") بصيغة الأمر، وهو أمرٌ منه - صلى الله عليه وسلم - لجرير - رضي الله عنه - أن يأمر