فأخبر بعاقبة الأمر وسببه. ولا يجوز أن يكون التقدير: مخافة أن تضل، لأجل قوله:{فَتُذَكِّرَ}، لأنه عطف عليه، فيصير المعنى: مخافة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا ضلت، والمعنى على عكسه. ونعوذ بالله من إعراب يعكس المعنى.
ومعنى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا}: ألا تهتدي إحداهما للشهادة بأن تنساها، مِنْ ضَلَّ الطريق إذا لم يهتدِ إليه، وفيه لغتان: يقال: ضَلَلْتُ أضِل بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر، وضَلِلْتُ أضَل بالعكس.
وقرئ:(إِنْ تَضِلَّ إحداهما) بكسر الهمزة على أنها شرط، (فَتُذَكِّرُ) بالرفع على أنه جواب الشرط (١)، ورفع الفعل لأجل الفاء، والتقدير: فهما تُذَكِّرُ إحداهما الأخرى، كقوله:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}(٢). والراجع إلى المبتدأ الضمير في إحداهما، والفاء وما بعدها في موضع جزم لكونه جواب الشرط، وفتحة اللام على هذه القراءة فتحة بناء لالتقاء الساكنين.
وقرئ:(فَتُذْكِرَ) بالتخفيف والتشديد (٣) وهما لغتان. يقال: أَذْكَرْتُهُ وَذَكَّرْتُهُ بمعنىً.
و{إِحْدَاهُمَا} الفاعل و {الْأُخْرَى} المفعول، وعكسه جائز من جهة المعنى، إلا أن الأحسن هنا أن تجعل {إِحْدَاهُمَا} الفاعل (٤)، لا بل يجب لكون الإِعراب لم يظهر فيهما، فهو بمنزلة قولك: ضرب موسى عيسى، ومرتبة الفاعل أن يتقدم على المفعول، وعكسه يجوز حيث لا لَبْسَ، وأما عند
(١) قراءة صحيحة قرأ بها حمزة وحده، انظر السبعة / ١٩٣/، والحجة ٢/ ٤١٨، والمبسوط/١٥٥/. (٢) سورة المائدة، الآية: ٩٥. (٣) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي برواية قتيبة، ويعقوب: (فَتُذْكِرَ) خفيفة من أذكر يذكر. وقرأ الباقون: (فَتُذكِّرَ) مشددة من ذكّر يذكّر. انظر مصادر القراءة السابقة. (٤) في (د): للفاعل.