وقوله:{ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} القائم مقام الفاعل مصدر، وهو القول، دل عليه فعله، أي: يقال قولٌ هو هذا الذي كنتم به تكذبون. وقيل: هو الجملة عينُها، عن صاحب الكتاب رحمه الله (١)، وهذا فيه نظر، لأن الجملة لا تكون فاعلة، فكيف تقام مقام الفاعل.
قوله عز وجل:{إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} اختلف في {عِلِّيِّينَ}، فقيل: اسم مكان، يعضده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم ترون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم"(٢). سمي بذلك لارتفاعه.
قال أبو إسحاق: هو أعلى الأمكنة (٣).
وقال الفراء: هو ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له (٤).
وقيل: إن {عِلِّيِّينَ} صفة للملائكة (٥).
فإذا فهم هذا فاختلفت النحاة فيه، فقال قوم: جُمع جمع السلامة لتكرره، تقول العرب إذا أصابها المطرُ بعدَ المطرِ: أصابنا الوابلون، وهو على هذا جَمْعُ عِلْيٍ، فِعِّيل من العُلْو، كَسِجِّين من السِجْنِ. وقال آخرون:
(١) انظر الكتاب ٣/ ١١٠. وإعراب النحاس ٣/ ٦٥٤. والمشكل ٢/ ٤٦٤. (٢) كذا هذا الحديث في البيان ٢/ ٥٠١. وذكره القرطبي ١٩/ ٢٦٣ دون الجملة الأخيرة، ولم أجده في مصدر آخر، وفي الصحيح من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أهل الجنة يتراءيون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق. أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٣٢٥٦). (٣) معانيه ٥/ ٢٩٩. (٤) معانيه ٣/ ٢٤٧. (٥) ذكره النحاس ٣/ ٦٥٥. ومكي ٢/ ٤٦٤.