قوله عز وجل:{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ}(الأبرار) يجوز أن يكون جمع بارٍّ، كأصحاب في جمع صاحب، وأن يكون جمع بَرٍّ، كأرباب في جمع رَبٍّ. وفي مفعول {يَشْرَبُونَ} وجهان:
أحدهما: محذوف وهو الوجه لأجل مذهب صاحب الكتاب رحمه الله، لأن (مِنْ) لا تزاد عنده في الواجب، و {مِنْ كَأْسٍ} في موضع نصب، إما على الحال إن قدرتَ يشربون الخمر، أو على الصفة إن قدرتَ يشربون خمرًا.
والثاني: هو (من كأس)، يعضده قول قتادة: الكأس ها هنا المراد بها الخمر (١)، وقول الضحاك: كل كأس في القرآن فإنما عُنِي بها الخمر (٢). و (مِنْ) على هذا الوجه صلة.
وقوله:{كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا}(كانَ) وما اتصل بها في موضع الصفة لـ {كَأْسٍ}.
وقوله:{عَيْنًا} نصبها يحتمل أوجهًا:
أن يكون بدلًا من {كَأْسٍ} على المحل، على قول من قال: الكافور هنا هو الذي من الطيب (٣)، وإنما مزج بها الكافور لطيب ريحه وبرده، وفي الكلام حذف مضاف والتقدير: يشربون خمرًا خمر عين.
وأن يكون بدلًا من {كَافُورًا} على قول من قال: الكافور عين في الجنة اسمها كافور (٤)، والمعنى: كان مزاج هذه الخمر من كافور، أي: من
(١) حكاه الرازي ٣٠/ ٢١٣ عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، ومقاتل. وذكره القرطبي ١٩/ ١٢٥ عن الأول. (٢) كذا عنه في النكت والعيون ٦/ ١٦٥. (٣) هذا قول مجاهد، وقتادة كما في جامع البيان ٢٩/ ٢٠٧. (٤) هذا قول الكلبي كما في النكت والعيون ٦/ ١٦٥.