قوله عز وجل:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} قيل: {كَلَّا} ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا على ما بين أيديكم (١). ويجوز أن يكون معناه:(حقًّا)(٢).
والعامل في {إِذَا} محذوف يدل عليه قوله جل ذكره: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} أي: رُفعَتْ إلى الله، والمنوي في {بَلَغَتِ} للنفس وإن لم يجر لها ذكر، لأن وصف الحال يدل عليها.
و{التَّرَاقِيَ}: جمع تَرْقُوَة، وهي العظم المشرف على الصدر، ووزنها فَعْلُوَةٌ، والواو مزيدة، ولا يجوز أن يكون وزنها تَفْعُلة، لعدم مثال تَرْقٍ في الكلام. وحَكَى بعضُ أهل اللغة: تَرْقَيْتُ الرجلَ تَرْقاةً، إذا أصبتَ تَرْقُوَتَهُ (٣).
وقوله:{مَنْ رَاقٍ} ابتداء وخبره، و {رَاقٍ} إما من الرقي، أي: مَنْ يرقَى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وإما من الرُقْيَة، وفعله: رَقَاهُ يَرْقِيه، بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر، أي: أيُّكم يَرقِيه مما به من العلة فيشفيه؟
و{وَظَنَّ أَنَّهُ} الظن هنا بمعنى اليقين، أي: وأيقن هذا المريض المشرف على الموت أنَّ هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة.
وقوله:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أي لم يتصدق ولم يصل، و (لا) هنا بمعنى (لم)، والدليل على أن لا نافية بمعنى (لم) إتيان (لكن) بعدها، لأن
(١) قاله الزجاج ٥/ ٢٥٤. والزمخشري ٤/ ١٦٦. (٢) قدمه النحاس ٣/ ٥٦٨. وقال: تكون مبتدأ على هذا ههنا. (٣) حكاه الجوهري (ترق) عن أبي يوسف.