وبعده {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} قيل: دخلت الفاء ها هنا في قوله: {فَمَنْ يُجِيرُ} وقوله: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ}؛ لأن {أَرَأَيْتُمْ} بمعنى: انتبهوا، أي: انتبهوا فمن يجير، وانتبهوا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ، كما تقول: قم فزيد قائم، ولا يكون الفاء جواب الشرط (١)، وإنما جواب الشرط مقدرٌ مدلولُ {أَرَأَيْتُمْ}، والتقدير: إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا لَمْ ينفعكم. ولك أن تقدر فعلًا يكون قوله:{فَمَنْ يُجِيرُ} عطفًا عليه مُعْتَقِبًا له، يدلُّ عليه قوله:{أَرَأَيْتُمْ}، والتقدير: تفكروا وانتبهوا تعلموا ذلك فمن يجير الكافرين، وهذا راجع إلى معنى الأول، غير أن فيه زيادة بيان.
وقد جوز أن يكون الفاءُ صِلةً (٢) كالتي في قوله: {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ}(٣) على أحد الوجهين، ويكون الاستفهام سادًّا مسد مفعول {أَرَأَيْتُمْ}، كقولهم: أرأيت زيدًا ما فعل؟
و{غَوْرًا} خبر {أَصْبَحَ}، أي: غائرًا، كَعَدْلٍ بمعنى عادل، أو ذا غورٍ، أي: ذاهبًا في الأرض.
وفي وزن {مَعِينٍ} وجهان:
أحدهما: أنه مفعول من العين، كمبيع من البيع، أي: مُبْصرٌ بالعين،
(١) كذا في البيان ٢/ ٤٥٢ أيضًا. لكن مكيًّا ٢/ ٣٩٤ أجازه قولًا واحدًا. (٢) جوزه صاحب البيان أيضًا. انظر الموضع السابق. (٣) سورة آل عمران، الآية: ١٨٨.