والثاني: منصوب بإضمار فعل، أي: ولكن جعله قيمًا، لأنه إذا نفى عنه العوج، فقد أثبت له الاستقامة، فيكون مفعولًا ثانيًا لهذا الفعل المقدر، واختير هذا الوجه (١).
وقيل: لأن قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ} عطف على {أَنْزَلَ} فهو داخل في حيّز الصلة، فجاعله حالًا من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة (٢). قلت: وهو جائز، لأن كليهما داخل في الصلة.
ولك أن تجعل قوله:{وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} حالًا أيضًا من الكتاب، إحداهما جملة، والأخرى مفردة، وهو الجيد، لأنه يغنيك عن التقديم والتأخير والإضمار.
وقد جوز أن يكون حالًا من الضمير في {لَهُ}، وأن يكون التقدير: أنزله قيّمًا، فيكون حالًا أيضًا، وفي الحال هنا وجهان - أحدهما: مؤكدة. والثاني: منتقلة (٣).
وقوله:{قَيِّمًا} أي: مستقيمًا، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره (٤).
وقيل: قيمًا على جميع كتب الله، مصدقًا لها، شاهدًا بصحتها (٥).
وقوله:{لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} من صلة {أَنْزَلَ}، وفاعل الإِنذار
(١) نعم اختاره الزمخشري ٢/ ٣٧٩. إلا أن جل أهل التفسير واللغة على الأول، كالفراء ٢/ ١٣٣. والأخفش ٢/ ٤٢٧. والزجاج ٣/ ٢٦٧. والكسائي، وأبي عبيد كما في إعراب النحاس ٢/ ٢٦٥. واقتصر عليه مكي في المشكل ٢/ ٣٦. ورجحه الطبري ١٥/ ١٩٠ وأخرجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وأخرج القول الثاني عن قتادة. وانظر معاني النحاس ٤/ ٢١٢. (٢) من الكشاف ٢/ ٣٧٩. (٣) انظر هذا الوجه في التبيان ٢/ ٨٣٧ أيضًا. (٤) أخرجه الطبري ١٥/ ١٩٠ عنه وعن الضحاك، وابن إسحاق. وانظر النكت والعيون ٣/ ٢٨٤. (٥) انظر هذا القول في المصدرين السابقين أيضًا. واقتصر عليه الفراء ٢/ ١٣٣.