للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما بغداد وما يصاقبها كعيسا باذ (١)، فكانت مناخا لصاحبنا تردد عليه غير ما مرة بسبب القرب وتوطن السلطان. وما يستروح من قول الخطيب: إنه «قدم بغداد فحدث بها» (٢)، من أنه إنما فعل ذلك بأخرة، غير مراد البتة؛ فإنه كان ينزل إليها إذ لا مناص له من ذلك، فيكون المقصود قدومه المدينة مدعوا للتحديث، على جهة اجتماع الشيوخ والطلبة للأخذ عنه في مجلس حافل لا قبل لنا بأمثاله اليوم.

ولقد أكرمه أهل بغداد واحتفوا به أيما اختفاء، وكانت شهرته قد طارت في البلاد، وسارت في الآفاق، فازدحم عليه العلماء، وخرجوا لاستقباله استقبال الفاتحين، قبل أن يصل إلى بغداد بما يقرب من ستين كيلومترا، وتلك سجية أهل بغداد في استقبال العلماء وإنزالهم المنزلة التي تليق بهم. قال أبو بكر بن عياش: الإسلام ببغداد، وإنها لصيادة الرجال (٣).

والظن غالب أن تكون لأبي حفص رحلات غير ما ذكر، ولكن المعطيات لم تعد ما سقناه، ولك أن تقيس على ما لم يقسن.

[ب ـ مكانه من شيوخه]

يسفر تجميع القطع المتناثرة لصورة الفلاس في مخيلة شيوخه من خلال استقراء أخبار علاقته بهم؛ عن تقرير أن الرجل كان على عين منهم، يقدرونه ويقدمونه، ويحل منهم محل البنوة الرمزية، فيخدبون عليه، ويستشيرونه، ويعاتبونه حين يلزم الأمر؛ وكل ذلك إنما يشف عن أنه كان نابغا في فنه، قريبا منهم بشخصه،


(١) ن تارخ بغداد (١٤/ ١١٧)؛ إكمال مغلطاي: (١٠/ ٢٣٣؛ رت: ٤١٤٥).
(٢) تارخ بغداد: (١٤/ ١١٦).
(٣) الفلاس محدثا وناقدا: د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، السنة ١٦، عدد ٤٦، جمادى الآخرة ١٤٢٢ هـ/ شتنبر ٢٠٠١ م: ١٤١.

<<  <   >  >>