للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإلحاقه الأبناء بالآباء، فاشترك في الأخذ عنه كبار المحدثين وأبناؤهم؛ فروى عنه أحمد بن زهير بن حرب أبو بكر بن أبي خيثمة، وابنه محمد أبو عبد الله، وسمع منه إسماعيل بن حماد أبو النصر البزاز، وابنه علي أبو الحسن البزاز. و «كتب عنه الكهول والأحداث» (١)، فضلا عن الشيوخ أصحاب المحابر.

ويكفي أن كان بينه وبين بعض من سمع منه سبعون سنة يوم حدث عنه، وناهيك بهذا الامتداد الزمني، إعانة على وفرة التلاميذ.

- سلامته من فتنة خلق القرآن (٢):

كانت فتنة خلق القرآن التي تولى كبرها المأمون ووزيره المعتزلي ابن أبي دؤاد، نارا حامية اضطلى بأوارها كبار العلماء، ولم ينج منها عظمهم؛ لأنها كانت مناسبة لاختبار ولائهم من لدن السلطة، وبلاء مبدأ ثباتهم على الحق من لدن العامة، فمن أرضى أحد الطرفين، لم يأمن أن ينقم عليه الآخر.

وأما صاحبنا فظاهر الأمر أنه خرج نقي الذيل من هذه الطامة؛ إما بالصمت المطبق إذ لم يضطر إلى الكلام، وهو أهون الإيمان وأضعفه، وهذا بعيد؛ فإنه لم يكن نكرة حتى يترك وشأنه، وإما - وهي حيلة هداه إليها ذهنه الوقاد ـ بإدمانه الرحلة عن حاضرة الخلافة، وفيها يعبأ بأمور لا يعبأ بها في الأطراف، ولو كان ـ كما نظن - طويل اللبث بالبصرة وقت الفتنة، لسيق إلى الخوض فيها كما سيق من هو مثله ومن هو أمثل منه، دليلنا أنه كان يرحل كل سنة إلى حدود ٢١٢ هـ إلى أصبهان (٣)،


(١) الإرشاد: (٢/ ٦٠١).
(٢) لم نجد له ذكرا البتة في فتنة القول بخلق القرآن، ونحن نستصحب حال رجال الحديث أهل السنة في رفضهم هذا القول ووصمهم لقائله بالكفر.
(٣) طبقات المحدثين بأصبهان: (٢/ ٥٨ - ٥٩).

<<  <   >  >>