للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقي كثير التردد عليها بعد ذلك، فزارها على الأقل - فيما نعلم ـ قبل الفتنة بسنتين، وبعدها في ٢٢٤، ٢٣٦ هـ (١)؛ هذا عن بلد واحد، فكيف بأسفاره إلى بلدان أخرى، ولعله استشعر أن معاناة الاغتراب أيسر من تلطيخ الدين.

وما كان الرجل ليستقبل آخر حياته استقبال الفاتحين ببغداد، لو زلت قدمه في هذه الوهدة، وقد عرف مؤرخو الرجال أن كثيرا مما حاق بغريمه ابن المديني من إهمال وقلة اكتراث بكتبه قيد حياته، منشؤه على الحقيقة موقفه الموافق للسلطة، ولم يشفع له مع ذلك أنه لا عن متابعة واقتناع، ولكن عن عضل وخوف (٢).

ومع كل ما سبق، فإن في دعوى سلامته من الفتنة تحتاج إلى دليل؛ لما نعلمه من أن السلطة حرجت على العلماء في كل صقع، وألزمتهم بالإفصاح عن حقيقة اعتقادهم، ولربما ألجأتهم إلى المناظرة؛ لتستبين الطائع المطاوع، من الكاره المداري.

وما يدريك لعل محله من الخلافة، واشتغالها بمن هو أمثل منه حينها وأشهر، كابن حنبل، وأبي نعيم، والبويطي، وأبي مصعب الزهري المدني … صرفها عن أن تلتفت إليه، ولكن كل ذلك تأول لا يستند على أصل ثابت، فقد يصح وقد لا يصح.

- قربه من الخليفة (٣):

وذاك ظاهر من قرائن عديدة، أولها: إفراده فضلا طويلا في تاريخه لمن روى عن ابن عباس من مدن الإسلام، وفيه - عند الاقتصار على عبد الله دون غيره


(١) طبقات المحدثين بأصبهان: (٢/ ١٩٢؛ رت: ١٤٨).
(٢) لسنا في موقف الاعتذار عن هذا الطود الشامخ؛ فقد كان في موقف ابتلاء قل من يصمد له اليوم، نسأل الله العافية، وقد كفانا مؤونة الاعتذار كلام جزل للدكتور علي محمد جماز في الموضوع. ن تسمية من روى عنه من أولاد العشرة وغيرهم: ٦٥ - ٦٩.
(٣) ن مبحث «علاقته بالخلفاء»؛ وقد مر.

<<  <   >  >>