للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل قائلا أن يقول: رفعت عقيرتك بتنقص النسخة فألحقت، وحري بك خلافه.

وما علم هذا القائل أني ما فصلت عن هذا الكتاب إلا وقد اشتف من منتي، ولم يبلغني قط ريقي، وأن ما استنفدته فيه من الجهد كافل بتصنيف كتاب ضخم؛ لشدة ما ذهب عنه من الصواب، واغتاله من الخطاء، واعتراه من الوهم، ولولا سموق مكان أبي حفص في نقدة الحديث، والغيرة له، لوسعني القول: «خامري أم عامر» … ولكني وقد نشبت، مؤمل الخلاص، مستمسك بعصم الإخلاص، ومن الله الحول والعون.

[إطلالة ثالثة: نحو من عملي في الكتاب (المحقق وصيف المؤلف، فلا ينبغي له مزاحمته).]

لم يكن يرضيني وأنا أصفح عديدا من عيون كتب التراث، إلا أن أجد المحقق قد أطال حبل الكلام في موارد الإبهام، وساجل المؤلف فيما تلجلج في صدره لقصور في العبارة، أو غبش في الرؤية، أو تردد أوجبه الإيغال في استجماع ذيول النظر الواحد وأخذه من لبته، على عادة مشايعي الجاحظ في التأتي للمعنى الواحد من مناح شتى، وبسطه في درج المراتب على تباين أقدار الناس في الفهم … ثم لا تقر عيني إلا بأن أجده قد تتبع الشاهد في مظنته، والمعنى في مؤرده، والعلم في طبقته، والنقل في أصله، محاذيا كلام المؤلف بما يشفي الغلة، ويذهب الحفيظة.

وآتى علي حين من الدهر وأنا أغالي في هذا الاختيار، وأجد الناكب عنه فارا من الزحف، وآخذا بما دون الأولى، ومجتزئا باليسير حين بمسطاعه أن يكاثر، وعفا وفي وسعه أن يتغلب، ولعمري لقد كنت غرا غرارة فادحة ليس تشفع فيها طراوة عود ولا شرة شباب، كيف وقد وليا وأنا أطرق باب الأشد!

ولم أكن لأحيد عن هذا النظر، لولا أنني رجعت كابيا حسيرا غير مرة وأنا أطلب ضالتي في كثير من الكتب المحققة على النحو الأول الذي ذكرت، فكانت على

<<  <   >  >>