للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويستروح من هذا أيضا أن الرجل استصحب الإسماع إلى حين وفاته، وأنه متع بحافظته فلم تخنه، وبذهنه فلم يطرأ عليه ما يطرأ على الشيوخ من الاختلاط أو كثرة الوهم، بل إنه ليذكر بأخرة - أي قريبا من وفاته - ما لا يذكره في الغالب إلا القلة، فيسمي شيوخه، ومتى سمع منهم في دقة نادرة جديرة بالإعجاب والغبطة، ويسهر ليلة كاملة في الإفضاء إلى أهل الحديث، حتى إذا تنفس الصبح رقي سطحا فأملى عليهم ما شاء الله، فمتع إلى ما ذكرنا بجلد ترفده بقية عافية لم تزايل الشيخ حسبما يبدو حتى لفظ أنفاسه. قال ابن أبي خيثمة: «لما قدم عمرو بن علي يريد الخليفة، استقبله أصحاب الحديث في الزواريق إلى المدائن، فلما دخل بغداد نزل ناحية باب خراسان، وكان المشايخ إنما ينزلون القطيعة، قال: فاجتمع إليه أصحاب الحديث، فأشهر وه ليلته جمعاء، فلما أصبحنا اجتمع عليه الخلق ورقوه سطحا، فكان أول شيء حدثنا به، قال: حدثنا فلان بن فلان منذ سبعين سنة، قال: حدثنا فلان - لصاحبه - منذ سبعين سنة، وأرسل عينيه بالبكاء، وقال: ادعوا الله أن يردني إلى أهلي» (١).

[٥ - صلته بمعاصريه]

[أ - صلته بالخلفاء]

من أصدقاء المؤلف فيما نرى - بضمائم حافة ستتلو: علي بن سعيد بن بشير عليك الرازي (ت ٢٩٩ هـ)، وكانت له وجاهة يستمدها من كونه «كان يسمع الحديث مع رجاء الزناتي غلام المتوكل» (٢)، ويصحب السلطان، ومن ثم «كان من أراد أن يأذن له أذن له، ومن أراد أن يمنعه منعه، ومن أراد أن يقدم من الشيوخ


(١) تاريخ بغداد: (١٤/ ١٢٢ - ١٢٣)؛ تهذيب الكمال: (١٠/ ٢٣٤؛ رت: ٤١٤٥).
(٢) كامل ابن عدي: (١/ ١٣٨)؛ تاريخ دمشق: (٤١/ ٥١١).

<<  <   >  >>