ولم ينقطع عن مجلس تحديثه إلى أوان وفاته، وكان له فيه قدر معلوم لا يجاوزه، حتى إذا أحسن دنو الأجل، وأن الأمل منقطع أن يعود إلى مجلسه حيث كان، لم يدع لأحد من السائلين طلبة إلا أجابه إليها وحدثه بها، بعد أن أفضى إليهم بما يجيش في صدره. روى الخطيب بسنده إلى أبي الحسن سهل بن نوح بن يحيى البزاز قال:«كنا في مجلس أبي حفص عمرو بن علي، فقال: سلوني؛ فإن هذا مجلس لا أجلسه بعد هذا؛ فما سئل عن شيء إلا وحدث به؛ ومات يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، سنة تسع وأربعين ومئتين»(١)، ويبدو من دلالة اقتران الحكاية بتاريخ الوفاة أن هاته وقعت عقيب تلك بيسير.
[ب - مستمليه]
قرت قواعد الإملاء والاستملاء بين المحدثين قبل غيرهم، ونفق للمملين سوق في بغداد والعراقين، وضجت بهم مجالس الحديث التي فاق حضورها الألوف، وعرف للحفاظ مملون بأعيانهم، اشتهروا بجهارة الصوت، ودقة البلاغ، والصبر على التزداد، وكان من جد عاقد مجالس الإملاء أن يكثر هؤلاء في مجلسه، فعرف منهم كثير بأسمائهم، خاصة العالمون بالحديث وصيغ الرواية، المدركون لطبائع الشيوخ، ولم نظفر لصاحبنا - مع ثقتنا أن له غير ممل - سوى باسم وحيد، وقع ذكره عرضا في تفسير الثعلبي، ففيه: «حدثنا علي بن سعيد العسكري، قال: حدثنا الحسين بن معاذ الأخفش مستملي أبي حفص الفلاس، قال: حدثنا إبراهيم ابن أبي سويد الذارع، قال: حدثنا سويد أبو حاتم، عن قتادة، عن عبد الله بن سفيان، عن أبي هريرة عن النبي ﵇ ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾ قال: «عن